للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ. وَمَنْ اعْتَبَرَ الْجِنَايَةَ بِحَالَةِ ابْتِدَائِهَا، أَوْجَبَ عَلَى الْجَانِي قِيمَتَهُ، وَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَيْضًا. الْحَالُ الثَّالِثُ، إذَا كَانَ الْجَانِي عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا، فَإِنْ كَانَ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ الْقِصَاصَ وَكَانَتْ عَلَى النَّفْسِ، انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ، وَسَيِّدُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الْجَانِي. وَإِنْ كَانَتْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، مِثْلُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ، فَلِلْمُكَاتَبِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ، كَمَا أَنَّ الْمَرِيضَ يَقْبِضُ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ وَرَثَتُهُ، وَالْمُفْلِسَ يَقْبِضُ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ. وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، ثَبَتَ لَهُ.

وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، أَوْ إلَى غَيْرِ مَالٍ، انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُوجَبِ الْعَمْدِ؛ إنْ قُلْنَا: مُوجَبُهُ الْقِصَاصُ عَيْنًا. صَحَّ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَالٌ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَتُهُ بِاشْتِرَاطِ مَالٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكَسُّبٌ، وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ إجْبَارَهُ عَلَى الْكَسْبِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ. ثَبَتَتْ لَهُ دِيَةُ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ الْقِصَاصُ، تَعَيَّنَ الْمَالُ، وَلَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. وَإِنْ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ الْأَرْشِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَفْو إلَى غَيْرِ مَالٍ.

[فَصْلٌ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَأُرُوشُ جِنَايَاتٍ]

(٨٧٨٤) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ، وَأُرُوشُ جِنَايَاتٍ، وَلَمْ يَكُنْ مَلَكَ مَا يُؤَدِّي فِي كِتَابَتِهِ، انْفَسَخَتْ كِتَابَتُهُ، وَسَقَطَ أَرْشُ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ تَلِفَتْ، وَيُسْتَوْفَى دَيْنُهُ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا، سَقَطَ الْبَاقِي. قَالَ أَحْمَد: لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ، هَذَا كَانَ يَسْعَى لِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَ مَا يُؤَدِّي فِي كِتَابَتِهِ، انْبَنَى ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ بِمِلْكِ مَا يُؤَدِّيه، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، الظَّاهِرُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِذَلِكَ، فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ أَيْضًا، وَيَبْدَأُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ. وَهَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِت وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَن، وَشُرَيْحٍ، وَعَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ إذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي، فَقَدْ صَارَ حُرًّا فَعَلَى هَذَا، يَضْرِبُ السَّيِّدُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِمَا حَلَّ مِنْ نُجُومِهِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ، وَالنَّخَعِيّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ حَالٌّ، فَيَضْرِبُ بِهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ. وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الدَّيْنَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ. أَنْ يَضْرِبَ بِجَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حَالًّا. وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، الَّذِي نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ، فِي " سُنَنِهِ "، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَنَا مَنْصُورٌ وَسَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَوْلَ شُرَيْحٍ فِي الْمُكَاتَب إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَبَقِيَّةٌ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ، فَقُلْت: إنَّ شُرَيْحًا قَضَى أَنَّ مَوْلَاهُ يَضْرِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ. فَقَالَ سَعِيدٌ: أَخْطَأَ شُرَيْحٌ، قَضَى زَيْدٌ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْمُكَاتَبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>