أَوْ مَاتَ سَيِّدُهَا، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الشُّهُورِ هَاهُنَا لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ جَمِيعًا، لِأَنَّ الْحَمْلَ يَكُونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَعَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً، ثُمَّ يَتَحَرَّكُ، وَيَعْلُو بَطْنُ الْمَرْأَةِ، فَيَظْهَرُ الْحَمْلُ، وَهَذَا مَعْنًى لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فِي حَقِّ سَيِّدهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ.
وَمَنْ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ: هِيَ مُخَالِفَةٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَمَتَى اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَخْطِئَتِهِمْ، وَخُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ لِغَيْرِ الْحَمْلِ، فَكَانَتْ دُونَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ، كَذَاتِ الْقُرُوءِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
[فَصْل السِّنِّ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الْآيِسَاتِ]
(٦٣١٤) فَصْلٌ: وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي السِّنِّ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ الْآيِسَاتِ، فَعَنْهُ: أَوَّلُهُ خَمْسُونَ سَنَةً؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَنْ تَرَى الْمَرْأَةُ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً. وَعَنْهُ: إنْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ الْعَجَمِ فَخَمْسُونَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ الْعَرَبِ فَسِتُّونَ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْوَى طَبِيعَةً. وَقَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ فِي كِتَابِ " النَّسَبِ "، أَنَّ هِنْدًا بِنْتَ أَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، وَلَدَتْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلَهَا سِتُّونَ سَنَةً.
وَقَالَ: يُقَالُ: إنَّهُ لَنْ تَلِدَ بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً إلَّا عَرَبِيَّةٌ، وَلَا تَلِدَ لِسِتِّينَ إلَّا قُرَشِيَّةٌ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، يُعْتَبَرُ السِّنُّ الَّذِي يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ إذَا بَلَغَتْهُ لَمْ تَحِضْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اثْنَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً. وَالثَّانِي، يُعْتَبَرُ السِّنُّ الَّذِي يَيْأَسُ فِيهِ نِسَاءُ عَشِيرَتِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ نَشْأَهَا كَنَشْئِهِنَّ، وَطَبْعَهَا كَطَبْعِهِنَّ. وَالصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مَتَى بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً، فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا مَرَّاتٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ، فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَيْضِ فِي حَقِّ هَذِهِ نَادِرٌ، بِدَلِيلِ قَوْلِ عَائِشَةَ وَقِلَّةِ وُجُودِهِ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَى هَذَا انْقِطَاعُهُ عَنْ الْعَادَاتِ مَرَّاتٍ، حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ وُجُودِهِ، فَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تَعْتَدَّ بِالْأَشْهُرِ، وَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ. عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ، عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا، فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْحَيْضِ الْوُجُودُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا يُمْكِنُ وُجُودُ الْحَيْضِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا. وَإِنْ رَأَتْهُ بَعْدَ السِّتِّينَ، فَقَدْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ. قَالَ الْخِرَقِيِّ وَإِذَا رَأَتْهُ بَعْدَ السِّتِّينَ، فَقَدْ تُيُقِّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ. فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا تَعْتَدُّ بِهِ، وَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، كَاَلَّتِي لَا تَرَى دَمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute