للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا رَوَيْنَاهُ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، دُونَ مَا رَوَوْهُ.

وَأَمَّا مَا رَوَوْهُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ خِلَافُهُ فَنَحْمِلُ قَوْلَهُمْ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ كَامِلَةً عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ. قَالَ أَحْمَدُ: إنَّمَا غَلَّظَ عُثْمَانُ الدِّيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَمْدًا، فَلَمَّا تَرَكَ الْقَوَدَ غَلَّظَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ، وَمِثْلُ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ نَحَرَ رَقِيقُ حَاطِبٍ نَاقَةً لَرَجُلٍ مُزَنِيٍّ، فَقَالَ لَحَاطِبٍ: إنِّي أَرَاك تُجِيعُهُمْ، لَأُغَرِّمَنَّك غُرْمًا يَشُقُّ عَلَيْك. فَأَغْرَمَهُ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا. فَأَمَّا دِيَاتُ نِسَائِهِمْ، فَعَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ. وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ دِيَةُ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ، كَذَلِكَ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ.

[فَصْلٌ جِرَاحَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ]

(٦٨٣٢) فَصْلٌ: وَجِرَاحَاتُهُمْ مِنْ دِيَاتِهِمْ كَجِرَاحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَاتِهِمْ، وَتُغَلَّظُ دِيَاتُهُمْ بِاجْتِمَاعِ الْحُرُمَاتِ، عِنْدَ مَنْ يَرَى تَغْلِيظَ دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ، بِهَا كَتَغْلِيظِ دِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ حَرْبٌ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا فِي الْحَرَمِ؟ قَالَ: يُزَادُ أَيْضًا عَلَى قَدْرِهِ، كَمَا يُزَادُ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدَ اللَّهِ: جَنَى عَلَى مَجُوسِيٍّ فِي عَيْنِهِ وَفِي يَدِهِ؟ قَالَ: يَكُونُ بِحِسَابِ دِيَتِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْخَذُ بِالْحِسَابِ، فَكَذَلِكَ هَذَا. قِيلَ: قَطَعَ يَدَهُ؟ قَالَ: بِالنِّصْفِ مِنْ دِيَتِهِ.

[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ مُسْلِم رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَمْدًا]

(٦٨٣٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ قَتَلُوهُ عَمْدًا، أُضْعِفَتْ الدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُسْلِمِ؛ لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ) هَكَذَا حَكَمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. هَذَا يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَرُفِعَ إلَى عُثْمَانَ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَغَلَّظَ عَلَيْهِ أَلْفَ دِينَارٍ. فَصَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ اتِّبَاعًا وَلَهُ. نَظَائِرُ فِي مَذْهَبِهِ؛ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الْأَعْوَرِ لَمَّا قَلَعَ عَيْنَ الصَّحِيحِ دِيَةً كَامِلَةً، حِينَ دَرَأَ الْقِصَاصَ عَنْهُ، وَأَوْجَبَ عَلَى سَارِقِ التَّمْرِ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ، حِينَ دَرَأَ عَنْهُ الْقَطْعَ.

وَهَذَا حُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَارِقِ التَّمْرِ. فَيَثْبُتُ مِثْلُهُ هَاهُنَا. وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا، أَوْ قَتَلَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا، لَمْ تُضَعَّفْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ لَا تُضَاعَفُ بِالْعَمْدِ؛ لِعُمُومِ الْأَثَرِ فِيهَا، وَلِأَنَّهَا دِيَةٌ وَاجِبَةٌ، فَلَمْ تُضَاعَفْ، كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، أَوْ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا. وَلَا فَرْقَ فِي الدِّيَةِ بَيْن الذِّمِّيِّ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْمِنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كِتَابِيٌّ مَعْصُومُ الدَّمِ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ، فَلَا دِيَةَ لَهُمَا؛ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ فِيهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>