فَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ نِصْفُهُ، أَوْ لَهُ نِصْفُ هَذِهِ الدَّارِ. فَهُوَ إقْرَارٌ صَحِيحٌ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ. صَحَّ. وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفٌ. فَهُوَ إقْرَارٌ بِدَيْنٍ عَلَى التَّرِكَةِ.
وَإِنْ قَالَ: فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي. وَقَالَ: أَرَدْت هِبَةً. قُبِلَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى أَبِيهِ، فَمُقْتَضَاهُ مَا خَلَّفَهُ، فَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُقَرِّ بِهِ فِيهِ، وَإِذَا أَضَافَ الْمِيرَاثَ إلَى نَفْسِهِ، فَمَعْنَاهُ مَا وَرِثْته وَانْتَقَلَ إلَيَّ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِذَا أَضَافَ إلَيْهِ مِنْهُ جُزْءًا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ مَالِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شَرِكَةٌ]
(٣٨٦٢) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَهُ فِي هَذَا الْعَبْدِ شَرِكَةٌ. صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَهُ تَفْسِيرُهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ مُقِرًّا بِنِصْفِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] . فَاقْتَضَى ذَلِكَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ، كَذَا هَاهُنَا. وَلَنَا، أَنَّ أَيَّ جُزْءٍ كَانَ لَهُ مِنْهُ، فَلَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ، فَكَانَ لَهُ تَفْسِيرُهُ بِمَا شَاءَ، كَالنِّصْفِ، وَلَيْسَ إطْلَاقُ لَفْظِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا دُونَ النِّصْفِ مَجَازًا، وَلَا مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ، وَالْآيَةُ تُثْبِتُ التَّسْوِيَةَ فِيهَا بِدَلِيلٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا.
[فَصْلٌ الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ]
(٣٨٦٣) فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ: وَإِذَا قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ. أَوْ كَذَا. صَحَّ إقْرَارُهُ، وَلَزِمَهُ تَفْسِيرُهُ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَيُفَارِقُ الدَّعْوَى، حَيْثُ لَا تَصِحُّ مَجْهُولَةً؛ لِكَوْنِ الدَّعْوَى لَهُ وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ، فَلَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ مَعَ الْجَهَالَةِ دُونَ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا لَمْ يُصَحِّحْ دَعْوَاهُ، فَلَهُ دَاعٍ إلَى تَحْرِيرِهَا، وَالْمُقِرُّ لَا دَاعِيَ لَهُ إلَّا التَّحْرِيرُ، وَلَا يُؤْمَنُ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ، فَأَلْزَمْنَاهُ إيَّاهُ مَعَ الْجَهَالَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَفْسِيرِهِ، حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْعَلُ نَاكِلًا، وَيُؤْمَرُ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْبَيَانِ، فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا، فَصَدَّقَهُ الْمُقِرُّ، ثَبَتَ، وَإِنْ كَذَّبَهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْبَيَانِ، قِيلَ لَهُ: إنْ بَيَّنْت، وَإِلَّا جَعَلْنَاك نَاكِلًا، وَقَضَيْنَا عَلَيْك. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ بَيَّنْت وَإِلَّا حَلَّفْنَا الْمُقَرَّ لَهُ عَلَى مَا يَدَّعِيه، وَأَوْجَبْنَاهُ عَلَيْك. فَإِنْ فَعَلَ، وَإِلَّا أَحَلَفْنَا الْمُقَرَّ لَهُ، وَأَوْجَبْنَاهُ عَلَى الْمُقِرِّ.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِ، فَيُحْبَسُ بِهِ، كَمَا لَوْ عَيَّنَهُ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ. وَمَعَ ذَلِكَ مَتَى عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي وَادَّعَاهُ، فَنَكَلَ الْمُقِرُّ، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ. وَإِنْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، أُخِذَ وَرَثَتُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ عَلَى مَوْرُوثِهِمْ، فَيَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ وَقَدْ صَارَتْ إلَى الْوَرَثَةِ، فَيَلْزَمُهُمْ مَا لَزِمَ مَوْرُوثَهُمْ، كَمَا لَوْ كَانَ الْحَقُّ مُعَيَّنًا. وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ الْمَيِّتُ تَرِكَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَرَثَةِ. وَمَتَى فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِمَا يَتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ وَثَبَتَ، إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَيَدَّعِيَ جِنْسًا آخَرَ، أَوْ لَا يَدَّعِيَ شَيْئًا، فَيَبْطُلَ إقْرَارُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute