وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَّا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالَ {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: ٩٩] . فَقُلْنَا: كَيْفَ صَنَعْتَ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنَّا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: ٩٩] .
وَلِأَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّنْبِيهَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّنْبِيهِ، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ دُونَ التِّلَاوَةِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ آدَمِيًّا، وَإِنْ قَصَدَهُمَا جَمِيعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْآثَارِ وَالْمَعْنَى.
وَالثَّانِي: تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ آدَمِيًّا، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ التِّلَاوَةَ. فَأَمَّا إنْ أَتَى مَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ غَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ اسْمُهُ إبْرَاهِيمُ. يَا إبْرَاهِيمُ. أَوْ لِعِيسَى: يَا عِيسَى. وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَلَامُ النَّاسِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ كَلَامِهِمْ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ يَا إبْرَاهِيمُ خُذْ الْكِتَابَ الْكَبِيرَ.
[فَصْلٌ يَكْرَه أَنْ يُفْتَح مِنْ هُوَ فِي الصَّلَاة عَلَى مِنْ هُوَ فِي صَلَاة أُخْرَى]
(٩٤٦) فَصْلٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَفْتَحَ مَنْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» . وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ جَالِسٍ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يَقْرَأُ، فَإِذَا أَخْطَأَ، فَتَحَ عَلَيْهِ الْمُصَلِّي. فَقَالَ: كَيْفَ يَفْتَحُ إذَا أَخْطَأَ هَذَا، وَيَتَعَجَّبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ قُرْآنٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ قِرَاءَتَهُ دُونَ خِطَابِ الْآدَمِيِّ بِغَيْرِهِ. وَلَا بَأْسَ أَنْ يَفْتَحَ عَلَى الْمُصَلِّي مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رَوَى النَّجَّادُ بِإِسْنَادِهِ، قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا بِمَكَّةَ، فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَ الْمَقَامِ يُصَلِّي، وَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ خَلْفَهُ يُلَقِّنُهُ، فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
[فَصْلٌ إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي]
(٩٤٧) فَصْلٌ: إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: إنَّ فَعَلَهُ مُتَأَوِّلًا، جَازَتْ صَلَاتُهُ.
وَلَنَا، مَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَاجَةٍ، فَرَجَعْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَوَجْهُهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: أَمَا إنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك إلَّا أَنِّي كُنْت أُصَلِّي» . وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ «، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute