للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلُ اُجْتُمِعَ فِي وَاحِد أَسْبَاب تَقْتَضِي أَخَذَ الزَّكَاة بِهَا]

(١٧٧٨) فَصْلٌ: وَإِنْ اجْتَمَعَ فِي وَاحِدٍ أَسْبَابٌ تَقْتَضِي الْأَخْذَ بِهَا، جَازَ أَنْ يُعْطَى بِهَا، فَالْعَامِلُ الْفَقِيرُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عِمَالَتَهُ، فَإِنْ لَمْ تُغْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَتِمُّ بِهِ غِنَاهُ، فَإِنْ كَانَ غَازِيًا فَلَهُ أَخْذُ مَا يَكْفِيه لِغَزْوِهِ، وَإِنْ كَانَ غَارِمًا أَخَذَ مَا يَقْضِي بِهِ غُرْمَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِانْفِرَادِهِ، فَوُجُودِ غَيْرِهِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهِ، كَمَا لَمْ يَمْنَعْ وُجُودَهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لَهُ مِائَتَانِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُغْنِيَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الدَّفْعِ إلَى الْغَارِمِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَإِذَا أُعْطِيَ لِأَجْلِ الْغُرْمِ وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ أُعْطِيَ لِلْفَقِيرِ جَازَ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ دَيْنَهُ.

[مَسْأَلَةُ بَنِي هَاشِم لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا لِبَنِي هَاشِمٍ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ.» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «أَخَذَ الْحَسَنُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كِخْ كِخْ. لِيَطْرَحَهَا، وَقَالَ: أَمَا شَعَرْت أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

[مَسْأَلَةُ مَوَالِي بَنِي هَاشِم وَهُمْ مِنْ أَعْتَقَهُمْ هَاشِمِيّ لَا يُعْطُونَ مِنْ الزَّكَاة]

(١٧٨٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا لِمَوَالِيهِمْ) يَعْنِي أَنَّ مَوَالِيَ بَنِي هَاشِمٍ، وَهُمْ مَنْ أَعْتَقَهُمْ هَاشِمِيٌّ، لَا يُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَاةِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُمْنَعُوا الصَّدَقَةَ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَوَّضُوا عَنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَرِّمُوهَا كَسَائِرِ النَّاسِ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ: اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا. فَقَالَ: لَا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْأَلَهُ. فَانْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ. فَقَالَ: إنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ، وَإِنَّ مَوَالِيَ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَلِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَرِثُهُمْ بَنُو هَاشِمٍ بِالتَّعْصِيبِ، فَلَمْ يَجُزْ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ كَبَنِي هَاشِمٍ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُمْ لَيْسُوا بِقَرَابَةٍ. قُلْنَا: هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَرَابَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ.» وَقَوْلُهُ: «مَوَالِي الْقَوْمِ مِنْهُمْ.» وَثَبَتَ فِيهِمْ حُكْمُ الْقَرَابَةِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْعَقْلِ وَالنَّفَقَةِ، فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ فِيهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>