أَحَدُهُمَا أَنَّ النِّسْيَانَ يَكْثُرُ، وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ فَزَادَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ نَسِيَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً، لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِثْلُ هَذَا فِي الْإِكْرَاهِ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ، أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ، مِثْلُ أَنْ يَخْشَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ ضَرِيرٍ الْوُقُوعَ فِي هَلَكَةٍ، أَوْ يَرَى حَيَّةً وَنَحْوَهَا تَقْصِدُ غَافِلًا أَوْ نَائِمًا أَوْ يَرَى نَارًا يَخَافُ أَنْ تَشْتَعِلَ فِي شَيْءٍ وَنَحْوَ هَذَا، وَلَا يُمْكِنُ التَّنْبِيهُ بِالتَّسْبِيحِ. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهَذَا.
وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي كَلَامِ الْمُكْرَهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَبْطُلَ الصَّلَاةُ بِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ: إنَّمَا كَلَّمَ الْقَوْمُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَلَّمَهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُجِيبُوهُ. فَعَلَّلَ صِحَّةَ صَلَاتِهِمْ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِالْكَلَامِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَوَجْهُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ هَاهُنَا، أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ كَلَامَ الْمُجِيبِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَتَكَلَّمَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ وَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(٩٣٦) فَصْلٌ: وَكُلُّ كَلَامٍ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي الْيَسِيرِ مِنْهُ، فَإِنْ كَثُرَ، وَطَالَ، أَفْسَدَ الصَّلَاةَ. وَهَذَا مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي، فِي الْمُجَرَّدِ كَلَامُ النَّاسِي إذَا طَالَ يُعِيدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ لِأَنَّ مَا عُفِيَ عَنْهُ بِالنِّسْيَانِ اسْتَوَى قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ كَالْأَكْلِ فِي الصِّيَامِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَلَنَا: أَنَّ دَلَالَةَ أَحَادِيثِ الْمَنْعِ مِنْ الْكَلَامِ عَامَّةٌ تُرِكَتْ فِي الْيَسِيرِ بِمَا وَرَدَ فِيهِ الْأَخْبَارِ، فَتَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعُمُومِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْكَثِيرِ عَلَى الْيَسِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَقَدْ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْعَمَلِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْكَثِيرِ
[مَسْأَلَة الْإِمَامَ إذَا تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاة]
(٩٣٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ إلَّا الْإِمَامَ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَمَنْ ذَكَرَ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَلْيَأْتِ بِرَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ مِنْ صَلَاتِهِ يَظُنُّ أَنَّهَا قَدْ تَمَّتْ، ثُمَّ تَكَلَّمَ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إحْدَاهُنَّ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ مِثْلُ الْكَلَامِ فِي بَيَانِ الصَّلَاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute