مِثْلُ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ تَكَلَّمُوا، ثُمَّ بَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ.
وَالثَّالِثَةُ: أَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا تَفْسُدُ - لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إمَامًا، فَتَكَلَّمَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ -، وَصَلَاةَ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا تَفْسُدُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِأَنَّهُمَا تَكَلَّمَا مُجِيبَيْنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِجَابَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمَا، وَلَا بِذِي الْيَدَيْنِ، لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ سَائِلًا عَنْ نَقْصِ الصَّلَاةِ، فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي زَمَانِنَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَاخْتُصَّ هَذَا بِالْكَلَامِ فِي شَأْنِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ إنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي شَأْنِهَا، فَاخْتُصَّتْ إبَاحَةُ الْكَلَامِ بِوُرُودِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ، دُونَ غَيْرِهِ، فَيَمْتَنِعُ قِيَاسُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا مَنْ تَكَلَّمَ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ، وَلَا ظَنَّ التَّمَامَ، فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ؛ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ؛ لِعُمُومِ لَفْظِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْإِمَامِ وَقَدْ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ: إنَّهَا الْعَصْرُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ تَطَرَّقَهُ حَالٌ يَحْتَاجُ إلَى الْكَلَامِ فِيهَا، وَهُوَ مَا لَوْ نَسِيَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ فَذَكَرَهَا فِي الثَّانِيَةِ، فَقَدْ فَسَدَتْ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُبْدِلَهَا بِرَكْعَةٍ هِيَ فِي ظَنِّ الْمَأْمُومِينَ خَامِسَةٌ لَيْسَ لَهُمْ مُوَافَقَتُهُ فِيهَا، وَلَا سَبِيلَ إلَى إعْلَامِهِمْ بِغَيْرِ الْكَلَامِ وَقَدْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ، فَيَحْتَاجُ إلَى السُّؤَالِ، فَلِذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ الْكَلَامُ.
وَلَمْ أَعْلَمْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ وَلَا عَنْ الْإِمَامِ نَصًّا فِي الْكَلَامِ فِي غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي سَلَّمَ فِيهَا مُعْتَقِدًا تَمَامَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَقِيَاسُ الْكَلَامِ فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ عَالِمًا بِهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَالُ نِسْيَانٍ، غَيْرُ مُمْكِنٍ التَّحَرُّزُ مِنْ الْكَلَامِ فِيهَا، وَهِيَ أَيْضًا حَالٌ يَتَطَرَّقُ الْجَهْلُ إلَى صَاحِبِهَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِيهَا، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ مَا يُفَارِقُهَا فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهَا، وَلَا نَصَّ فِيهَا، وَإِذَا عُدِمَ النَّصُّ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ، امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَهُ يَكُونُ ابْتِدَاءَ حُكْمٍ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ.
[فَصْلٌ الْكَلَامُ الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ مَا انْتَظَمَ حَرْفَيْنِ]
فَصْلٌ: وَالْكَلَامُ الْمُبْطِلُ مَا انْتَظَمَ حَرْفَيْنِ. هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ بِالْحَرْفَيْنِ تَكُونُ كَلِمَةٌ كَقَوْلِهِ: أَبٌ وَأَخٌ وَدَمٌ. وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ، وَلَا تَنْتَظِمُ كَلِمَةٌ مِنْ أَقَلَّ مِنْ حَرْفَيْنِ. وَلَوْ قَالَ: لَا. فَسَدَتْ صَلَاتَهُ، لِأَنَّهَا حَرْفَانِ لَامٌ وَأَلِفٌ. وَإِنْ ضَحِكَ فَبَانَ حَرْفَانِ. فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ وَإِنْ قَهْقَهَ وَلَمْ يَكُنْ حَرْفَانِ. وَبِهَذَا قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute