إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهَا تَتَحَفَّظُ وَتَتَلَجَّمُ، لِئَلَّا تُلَوِّثَ الْمَسْجِدَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِيَانَتُهُ مِنْهَا خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ وَخُرُوجٌ لِحِفْظِ الْمَسْجِدِ مِنْ نَجَاسَتِهَا، فَأَشْبَهَ الْخُرُوجَ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ. (٢١٨٦)
فَصْلٌ: الْخُرُوجُ الْمُبَاحُ فِي الِاعْتِكَافِ الْوَاجِبِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا، مَا لَا يُوجِبُ قَضَاءً وَلَا كَفَّارَةً، وَهُوَ الْخُرُوجُ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَشِبْهُهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَالثَّانِي: مَا يُوجِبُ قَضَاءً بِلَا كَفَّارَةٍ، وَهُوَ الْخُرُوجُ لِلْحَيْضِ. وَالثَّالِثُ، مَا يُوجِبُ قَضَاءً وَكَفَّارَةً، وَهُوَ الْخُرُوجُ لِفِتْنَةٍ، وَشِبْهُهُ مِمَّا يَخْرُجُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ. وَالرَّابِعُ، مَا يُوجِبُ قَضَاءً وَفِي الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ لَوَاجِبٍ، كَالْخُرُوجِ فِي النَّفِيرِ، أَوْ الْعِدَّةِ. فَفِي قَوْلِ الْقَاضِي، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَشْبَهَ الْخُرُوجَ لِلْحَيْضِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وُجُوبُهَا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ غَيْرَ مُعْتَادٍ، فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ كَالْخُرُوجِ لِفِتْنَةٍ.
[مَسْأَلَة نَذْر أَنْ يَعْتَكِف شَهْرًا بِعَيْنِهِ]
(٢١٨٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ أَوَّلِهِ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَزُفَرَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] . وَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ إلَّا مِنْ قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَلِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ، فَلَمْ يَجُزْ ابْتِدَاؤُهُ قَبْلَ شَرْطِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ نَذَرَ الشَّهْرَ، وَأَوَّلُهُ غُرُوبُ الشَّمْسِ، وَلِهَذَا تَحِلُّ الدُّيُونُ الْمُعَلَّقَةُ بِهِ، وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْمُعَلَّقَانِ بِهِ، وَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الشَّهْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِذَلِكَ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، كَإِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ مَعَ النَّهَارِ فِي الصَّوْمِ، وَأَمَّا الصَّوْمُ فَإِنَّ مَحَلَّهُ النَّهَارُ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ اللَّيْلِ فِي أَثْنَائِهِ وَلَا ابْتِدَائِهِ، إلَّا مَا حَصَلَ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ. عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي التَّطَوُّعِ، فَمَتَى شَاءَ دَخَلَ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا نَذَرَ شَهْرًا، فَيَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ شَهْرٍ كَامِلٍ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute