وَلِهَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ غَرِيمُهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ. وَإِنْ دَفَعَ عَنْ الدَّيْنِ عَرَضًا، رَجَعَ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ قَدْر الدَّيْنِ لِذَلِكَ، وَإِنْ قَضَى الْمُؤَجَّلَ قَبْلَ أَجَلِهِ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ لِلْغَرِيمِ.
فَإِنْ أَحَالَهُ، كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِمَنْزِلَةِ تَقْبِيضِهِ، وَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِمَّا أَحَالَ بِهِ أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ، سَوَاءٌ قَبَضَ الْغَرِيمُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ، أَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِيفَاءُ، لِفَلَسٍ أَوْ مَطْلٍ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْحَوَالَةِ كَالْإِقْبَاضِ.
[فَصْلٌ كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِائَةٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا]
(٣٥٨٥) فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِائَةٌ، عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ مَا عَلَيْهِ، فَضَمِنَ آخَرُ عَنْ أَحَدِهِمَا الْمِائَةَ بِأَمْرِهِ وَقَضَاهَا، سَقَطَ الْحَقُّ عَنْ الْجَمِيعِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الَّذِي ضَمِنَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْآخَرِ بِشَيْءٍ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ عَنْهُ، وَلَا أَذِنَ لَهُ فِي الْقَضَاءِ، فَإِذَا رَجَعَ عَلَى الَّذِي ضَمِنَ عَنْهُ، رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِنِصْفِهَا، إنْ كَانَ ضَمِنَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا عَنْهُ بِإِذْنِهِ، وَقَضَاهَا ضَامِنُهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَة، لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِالْمِائَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لَهُ عَلَى مَنْ أَدَّاهَا عَنْهُ، فَمَلَكَ الرُّجُوعَ بِهَا عَلَيْهِ كَالْأَصْلِ. "
[فَصْلٌ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِأُذُنِهِ فَطُولِبَ الضَّامِنُ]
(٣٥٨٦) فَصْلٌ: إذَا ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ، فَطُولِبَ الضَّامِنُ، فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِتَخْلِيصِهِ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ. وَإِنْ لَمْ يُطَالَبْ الضَّامِنُ، لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ غَرَامَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَة؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِإِذْنِهِ، فَكَانَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَرَهَنَهُ، كَانَ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَتُهُ بِفِكَاكِهِ وَتَفْرِيغِهِ مِنْ الرَّهْنِ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَيُفَارِقُ الضَّمَانُ الْعَارِيَّةَ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَتَضَرَّرُ بِتَعْوِيقِ مَنَافِعِ عَبْدِهِ الْمُسْتَعَارِ، فَمَلَكَ الْمُطَالَبَةَ بِمَا يُزِيلُ الضَّرَرَ عَنْهُ، وَالضَّامِنُ لَا يَبْطُلُ بِالضَّمَانِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِهِ. فَأَمَّا إنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، لَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ يُطَالِبُ بِهِ، وَلَا شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِأَمْرِهِ، فَأَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ. وَقِيلَ: إنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي رُجُوعِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ. فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِحَالٍ. وَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ. فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ ضَمِنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، عَلَى مَا مَضَى تَفْصِيلِهِ.
[فَصْلٌ ضَمِنَ الضَّامِنَ ضَامِنٌ آخَرُ فَقَضَى أَحَدُهُمْ الدَّيْنَ]
(٣٥٨٧) فَصْلٌ: فَإِنْ ضَمِنَ الضَّامِنَ ضَامِنٌ آخَرُ، فَقَضَى أَحَدُهُمْ الدَّيْنَ، بَرِئُوا جَمِيعًا. فَإِنْ قَضَاهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ. وَإِنْ قَضَاهُ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ دُونَ الضَّامِنِ عَنْهُ، وَإِنْ قَضَاهُ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ أَذِنَ لَصَاحِبِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ، فَفِي الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ. وَإِنْ أَذِنَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِيَّ، وَلَمْ يَأْذَنْ الْمَضْمُونُ عَنْهُ، أَوْ أَذِنَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لِضَامِنِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ الضَّامِنُ لِضَامِنِهِ، رَجَعَ الْمَأْذُونُ لَهُ عَلَى مَنْ أَذِنَ لَهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ الْآخَرُ عَلَى إحْدَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute