فَقَالَ الْجَانِي: أَنَا شَقَقْت مَا بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ أَنَا. أَوْ: أَزَالَهَا آخَرُ سِوَاكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ أَرْشِ مُوضِحَتَيْنِ قَدْ وُجِدَ. وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ، وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَالْأَصْلُ مَعَهُ.
وَإِنْ أَوْضَحَ مُوضِحَتَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ اللَّحْمَ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي الْبَاطِنِ، وَتَرَكَ الْجِلْدَ الَّذِي فَوْقَهُمَا فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَلْزَمُهُ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ؛ لِانْفِصَالِهِمَا فِي الظَّاهِرِ. وَالثَّانِي: أَرْشُ مُوضِحَةٍ؛ لِاتِّصَالِهِمَا فِي الْبَاطِنِ. وَإِنْ جَرَحَهُ جِرَاحًا وَاحِدَةً، وَأَوْضَحَهُ فِي طَرَفَيْهَا، وَبَاقِيهَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، فَفِيهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ، لِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِمُوضِحَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ الدِّيَة فِي الْهَاشِمَة]
(٦٩٧٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَهْشِمُهُ) الْهَاشِمَةُ: هِيَ الَّتِي تَتَجَاوَزُ الْمُوضِحَةَ، فَتَهْشِمُ الْعَظْمَ، سُمِّيَتْ هَاشِمَةً؛ لَهَشْمِهَا الْعَظْمَ. وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا تَقْدِيرٌ، وَأَكْثَرُ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ أَرْشَهَا مُقَدَّرٌ بِعَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ. رَوَى ذَلِكَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَنَحْوَهُ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إلَّا أَنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِعُشْرِ الدِّيَةِ مِنْ الدَّرَاهِمِ، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَلْفُ دِرْهَمٍ.
وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يُوَقِّتُ فِيهَا شَيْئًا. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَا أَعْرِفُ الْهَاشِمَةَ، لَكِنْ فِي الْإِيضَاحِ خَمْسٌ، وَفِي الْهَشْمِ حُكُومَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: النَّظَرُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ؛ إذْ لَا سُنَّةَ فِيهَا وَلَا إجْمَاعَ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْدِيرٌ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الْحُكُومَةُ، كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ. وَلَنَا، قَوْلُ زَيْدٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ، وَلِأَنَّهُ لَمْ نَعْرِفْ لَهُ مُخَالِفًا فِي عَصْرِهِ، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّهَا شَجَّةٌ فَوْقَ الْمُوضِحَةِ تَخْتَصُّ بِاسْمٍ، فَكَانَ فِيهَا مُقَدَّرٌ كَالْمَأْمُومَةِ.
(٦٩٧٣) فَصْلٌ: وَالْهَاشِمَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُوضِحَةِ. وَإِنْ هَشَمَهُ هَاشِمَتَيْنِ. بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ، فَفِيهِمَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُوضِحَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَتَسْتَوِي الْهَاشِمَةُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ. وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً، بَعْضُهَا مُوضِحَةٌ، وَبَعْضُهَا هَاشِمَةٌ، وَبَعْضهَا سِمْحَاقٌ، وَبَعْضُهَا مُتَلَاحِمَةٌ، وَجَبَ أَرْشُ الْهَاشِمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا هَاشِمَةً، أَجْزَأَ أَرْشُهَا، وَلَوْ انْفَرَدَ الْقَدْرُ الْمَهْشُومُ، وَجَبَ أَرْشُهَا، فَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ بِمَا إذَا زَادَ مِنْ الْأَرْشِ فِي غَيْرِهَا.
وَإِنْ ضَرَبَ رَأْسَهُ، فَهَشَمَ الْعَظْمَ، وَلَمْ يُوضِحْهُ، لَمْ تَجِبْ دِيَةُ الْهَاشِمَةِ. بِغَيْرِ خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ الْمُقَدَّرَ وَجَبَ فِي هَاشِمَةٍ يَكُونُ مَعَهَا مُوضِحَةٌ، وَفِي الْوَاجِبِ فِيهَا وَجْهَانِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute