يَنْصَرِفُ إلَى مَا قَالَهُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ، فَقَالَ: صَدَقْت. كَانَ إقْرَارًا بِهَا. وَلَوْ قَالَ: أَعْطِنِي ثَوْبِي هَذَا. فَقَالَ: صَدَقْت. كَانَ إقْرَارًا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا يَكُونُ قَاذِفًا. وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِتَصْدِيقِهِ فِي غَيْرِ الْقَذْفِ. وَلَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّك زَنَيْت. لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، سَوَاءٌ كَذَّبَهُ الْمُخْبَرُ عَنْهُ أَوْ صَدَّقَهُ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَكُونُ قَاذِفًا إذَا كَذَّبَهُ الْآخَرُ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ. وَنَحْوُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِزِنَاهُ. وَلَنَا أَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ قُذِفَ، فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَدْ قَذَفَ رَجُلًا.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزْنَى النَّاسِ]
(٧٢٢٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ أَزْنَى مِنْ فُلَانٍ، أَوْ أَزْنَى النَّاسِ، فَهُوَ قَاذِفٌ لَهُ. وَهَلْ يَكُونُ قَاذِفًا لِلثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَاذِفًا لَهُ اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الزِّنَا إلَيْهِمَا، وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا فِيهِ أَبْلَغَ مِنْ الْآخَرِ، فَإِنَّ لَفْظَةَ أَفْعَلَ لِلتَّفْضِيلِ، فَيَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ، وَتَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِيهِ، كَقَوْلِهِ: أَجْوَدُ مِنْ حَاتِمٍ. وَالثَّانِي: يَكُونُ قَاذِفًا لِلْمُخَاطَبِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ أَفْعَلَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى} [يونس: ٣٥] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ} [الأنعام: ٨١] . وَقَالَ لُوطٌ: {بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: ٧٨] . أَيْ: مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ، وَلَا طَهَارَةَ فِيهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَيْسَ بِقَذْفٍ لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَذْفَ. وَلَنَا أَنَّ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتَ زَانٍ.
[فَصْلٌ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَأْت مَهْمُوزًا]
(٧٢٢٨) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: زَنَأْت. مَهْمُوزًا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ قَذْفٌ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقَذْفَ، فَكَانَ قَذْفًا، كَمَا لَوْ قَالَ: زَنَيْت. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَ عَامِّيًّا، فَهُوَ قَذْفٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ إلَّا الْقَذْفَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ قَذْفًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، طَلَعْت، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ مَوْضُوعَهُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كَوْنِهِ قَذْفًا وَجْهَانِ.
وَإِنْ قَالَ زَنَأْت فِي الْجَبَلِ. فَالْحُكْمُ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute