طَاهِرٌ، مُنْتَفَعٌ بِهِ، فَجَازَ بَيْعُهُ، كَالثَّوْبِ.
وَقَوْلُهُ: لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ، يَبْطُلُ بِالْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يَحْصُل مِنْهَا نَفْعٌ، سِوَى النِّتَاجِ، وَيُفَارِقُ الْحَشَرَاتِ، الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا أَصْلًا، فَإِنَّ نَفْعَ هَذِهِ كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ مَلَابِسِ الدُّنْيَا، إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْهَا.
[فَصْلٌ بَيْعُ النَّحْلِ]
(٣١٧١) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ إذَا شَاهَدَهَا مَحْبُوسَةً، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَمْتَنِعَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا مُنْفَرِدَةً؛ لِمَا ذَكَرَ فِي دُودِ الْقَزِّ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَيَوَانٌ طَاهِرٌ، يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ فِيهِ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ، فَجَازَ بَيْعُهُ، كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِهَا فِي كِوَارَاتِهَا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَةُ جَمِيعِهَا، وَلِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ عَسَلٍ يَكُونُ مَبِيعًا مَعَهَا، وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي كِوَارَاتِهَا، وَمُنْفَرِدَةً عَنْهَا، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهَا فِي كِوَارَاتِهَا إذَا فُتِحَ رَأْسُهَا، وَيُعْرَفُ كَثْرَتُهُ مِنْ قِلَّتِهِ، وَخَفَاءُ بَعْضِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ، بَيْعِهِ، كَالصُّبْرَةِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ فِي وِعَاءٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُ يَكُونُ عَلَى بَعْضٍ، فَلَا يُشَاهَدُ إلَّا ظَاهِرُهُ، وَالْعَسَلُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا، فَلَا تَضُرُّ جَهَالَتُهُ، كَأَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ مُشَاهَدَةُ النَّحْلِ؛ لِكَوْنِهِ مَسْتُورًا بِأَقْرَاصِهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِجَهَالَتِهِ.
[فَصْلٌ بَيْع التِّرْيَاق]
(٣١٧٢) فَصْلٌ: ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ التِّرْيَاقَ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ، فَعَلَى هَذَا، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَخَلَا مِنْ نَفْعٍ مُبَاحٍ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، كَالْمَيْتَةِ، وَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ، وَلَا بِسُمِّ الْأَفَاعِي. فَأَمَّا السُّمُّ مِنْ الْحَشَائِشِ وَالنَّبَاتِ، فَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ كَانَ يَقْتُلُ قَلِيلُهُ، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِعَدَمِ نَفْعِهِ، وَإِنْ اُنْتُفِعَ بِهِ، وَأَمْكَنَ التَّدَاوِي بِيَسِيرِهِ، كَالسَّقَمُونْيَا، جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، فَأَشْبَهَ بَقِيَّةَ الْمَأْكُولَاتِ.
[فَصْلٌ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ]
(٣١٧٣) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ، قَبْلَ الدَّبْغِ، قَوْلًا وَاحِدًا، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَفِي بَيْعِهِ بَعْدَ الدَّبْغِ عَنْهُ خِلَافٌ.
وَقَدْ رَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» . وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، نَحْوُ رِيشِ الطَّيْرِ الَّتِي لَهَا مِخْلَبٌ، أَوْ بَعْضِ جُلُودِ السِّبَاعِ الَّتِي لَهَا أَنْيَابٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute