وَالثَّانِيَةُ، مَحِلُّ الْجَمِيعِ الْحَرَمُ.
وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: أَمَّا مَا كَانَ بِمَكَّةَ، أَوْ كَانَ مِنْ الصَّيْدِ، فَكُلٌّ بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] . وَمَا كَانَ مِنْ فِدْيَةِ الرَّأْسِ فَحَيْثُ حَلَقَهُ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي قَتْلِ الصَّيْدِ رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّهُ يَفْدِي حَيْثُ قَتَلَهُ.
وَهَذَا يُخَالِفُ نَصَّ الْكِتَابِ، وَنَصَّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَلْقِ الرَّأْسِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَمَا وَجَبَ لِتَرْكِ نُسُكٍ أَوْ فَوَاتٍ، فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ هَدْيٌ وَجَبَ لِتَرْكِ نُسُكٍ، فَأَشْبَهَ هَدْيَ الْقُرْآنِ. وَإِنْ فَعَلَ الْمَحْظُورَ لِغَيْرِ سَبَبٍ يُبِيحُهُ، فَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يَخْتَصُّ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْحَرَمِ، كَسَائِرِ الْهَدْيِ.
[فَصْلٌ مَا وَجَبَ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ وَجَبَ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِهِ]
(٢٧٢٦) فَصْلٌ: وَمَا وَجَبَ نَحْرُهُ بِالْحَرَمِ، وَجَبَ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: إذَا ذَبَحَهَا فِي الْحَرَمِ، جَازَ تَفْرِقَةُ لَحْمِهَا فِي الْحِلِّ.
وَلَنَا، أَنَّهُ أَحَدُ مَقْصُودَيْ النُّسُكِ، فَلَمْ يَجُزْ فِي الْحِلِّ، كَالذَّبْحِ، وَلِأَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ التَّوْسِعَةُ عَلَى مَسَاكِينِهِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ بِإِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ، فَكَانَ جَمِيعُهُ مُخْتَصًّا بِهِ، كَالطَّوَافِ، وَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ.
(٢٧٢٧) فَصْلٌ: وَالطَّعَامُ كَالْهَدْيِ، يَخْتَصُّ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ فِيمَا يَخْتَصُّ الْهَدْيُ بِهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ: مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فَبِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ مِنْ طَعَامٍ وَصِيَامٍ فَحَيْثُ شَاءَ.
وَهَذَا يَقْتَضِيه مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَلَنَا، قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْهَدْيُ وَالطَّعَامُ بِمَكَّةَ، وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ. وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى الْمَسَاكِينِ فَاخْتَصَّ بِالْحَرَمِ، كَالْهَدْيِ.
[فَصْلٌ مَسَاكِينُ أَهْلِ الْحَرَمِ]
(٢٧٢٨) فَصْلٌ: وَمَسَاكِينُ أَهْلِ الْحَرَمِ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ وَارِدٍ إلَيْهِ مِنْ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ الَّذِينَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ. وَلَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ ظَاهِرُهُ الْفَقْرُ، فَبَانَ غَنِيًّا، خُرِّجَ فِيهِ وَجْهَانِ كَالزَّكَاةِ. وَلِلشَّافِعِي فِيهِ قَوْلَانِ. وَمَا جَازَ تَفْرِيقُهُ بِغَيْرِ الْحَرَمِ، لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ إلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَجَوَّزَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَنَا، أَنَّهُ كَافِرٌ، فَلَمْ يَجُزْ الدَّفْعُ إلَيْهِ، كَالْحَرْبِيِّ.
[فَصْلٌ إذَا نَذَرَ هَدْيًا وَأَطْلَقَ]
(٢٧٢٩) فَصْلٌ: وَإِذَا نَذَرَ هَدْيًا وَأَطْلَقَ، فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي النَّذْرِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا، وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ مِنْ النَّعَمِ، وَأَقَلُّهُ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ،