لِأَنَّ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ صَرِيحٍ مِنْ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ، وَالتَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا كِنَايَةٌ، فَلَمْ تَصِحَّ بِهِ الْيَمِينُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَكُونُ مُولِيًا مِنْهُمَا. وَإِنْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك، فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ قَالَ لِلْأُخْرَى: أَشْرَكْتُك مَعَهَا. وَنَوَى، فَقَدْ صَارَ طَلَاقُ الثَّانِيَةِ مُعَلَّقًا عَلَى وَطْئِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ إيلَاءٌ فِي الْأُولَى. صَارَ إيلَاءً فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي مَعْنَاهَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ آلَى رَجُلٌ مِنْ زَوْجَتِهِ، فَقَالَ آخَرُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ مِثْلُ فُلَانَةَ. لَمْ يَكُنْ مُولِيًا. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ مُولٍ. وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَسَمِ، فَلَا يَكُونُ مُولِيًا بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُشْبِهَا بِهَا.
[فَصْل الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ الْعَجَمِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ]
(٦١٢٨) فَصْلٌ: وَيَصِحُّ الْإِيلَاءُ بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ الْعَجَمِيَّةِ وَغَيْرِهَا، مِمَّنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، وَمِمَّنْ لَا يُحْسِنُهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَتَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ. وَالْمُولِي هُوَ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ، الْمُمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ. فَإِنْ آلَى بِالْعَجَمِيَّةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا، وَهُوَ لَا يَدْرِي مَعْنَاهَا، لَمْ يَكُنْ مُولِيًا، وَإِنْ نَوَى مُوجِبَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا آلَى بِالْعَرَبِيَّةِ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَصْدُ الْإِيلَاءِ بِلَفْظٍ لَا يَدْرِي مَعْنَاهُ. فَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ مُتَكَلِّمًا بِغَيْرِ لِسَانِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَعْرِفَتِهِ بِهَا.
فَأَمَّا إنْ آلَى الْعَرَبِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: جَرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ. أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْعَجَمِيُّ فِي إيلَائِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ، لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ.
[فَصْلٌ مُدَّةُ الْإِيلَاء فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ]
(٦١٢٩) فَصْلٌ: وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَالْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ، وَالصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ مُدَّةَ إيلَاءِ الْعَبِيدِ شَهْرَانِ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَقَوْلُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى النِّصْفِ فِي الطَّلَاقِ، وَعَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ، فَكَذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ: إيلَاؤُهُ مِنْ الْأَمَةِ شَهْرَانِ، وَمِنْ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إيلَاءُ الْأَمَةِ نِصْفُ إيلَاءِ الْحُرَّةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ عِنْدَهُ، فَاخْتُلِفَ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَالطَّلَاقِ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَثْبُتُ ابْتِدَاؤُهَا بِقَوْلِ الزَّوْجِ، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ بِرِقِّ الْمَرْأَةِ وَحُرِّيَّتِهَا، كَمُدَّةِ الْعِدَّةِ. وَلَنَا، عُمُومُ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِلْوَطْءِ، فَاسْتَوَى فِيهَا الرِّقُّ وَالْحُرِّيَّةُ، كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبَيْنُونَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا، ثُمَّ يَبْطُلُ ذَلِكَ بِمُدَّةِ الْعُنَّةِ، وَيُخَالِفُ مُدَّةَ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَمَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَحْصُلُ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا مُدَّةُ الْإِيلَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْحُرَّةِ أَكْثَرُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَتَقَدَّمَ مُطَالَبَتُهَا مُطَالَبَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute