للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ غَابَ رَجُلٌ عَنْ زَوْجَتِهِ فَشَهِدَ ثِقَاتٌ بِوَفَاتِهِ]

(٦٣٦١) فَصْلٌ: فَإِنْ غَابَ رَجُلٌ عَنْ زَوْجَتِهِ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ بِوَفَاتِهِ، فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ لِلْوَفَاةِ، أُبِيحَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ. فَإِنْ عَادَ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ، يُخَيَّرُ زَوْجُهَا بَيْنَ أَخْذِهَا، وَتَرْكِهَا وَلَهُ الصَّدَاقُ. وَكَذَلِكَ إنْ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَارُ بِمَوْتِهِ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ سُهَيَّةَ، أَنَّ زَوْجَهَا صَيْفِيَّ بْنَ فُسَيْلٍ، نُعِيَ لَهَا مِنْ قَنْدَابِيلَ، فَتَزَوَّجَتْ بَعْدَهُ، ثُمَّ إنَّ زَوْجَهَا الْأَوَّلَ قَدِمَ، فَأَتَيْنَا عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَأَشْرَفَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: كَيْفَ أَقْضِي بَيْنَكُمْ وَأَنَا عَلَى هَذَا الْحَالِ، فَقُلْنَا: قَدْ رَضِينَا بِقَوْلِكَ. فَقَضَى أَنْ يُخَيَّرَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ. فَرَجَعْنَا. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ أَتَيْنَا عَلِيًّا، فَخَيَّرَ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ بَيْنَ الصَّدَاقِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، فَاخْتَارَ الصَّدَاقَ، فَأَخَذَ مِنِّي أَلْفَيْنِ، وَمِنْ زَوْجِي الْآخَرِ أَلْفَيْنِ. فَإِنْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ بِشَهَادَةِ مَحْصُورَةٍ، فَمَا حَصَلَ مِنْ غَرَامَةٍ فَعَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ فِي إيجَابِهَا.

وَإِنْ شَهِدُوا بِمَوْتِ رَجُلٍ، فَقُسِّمَ مَالُهُ، ثُمَّ قَدِمَ، فَمَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ أَخَذَهُ. وَمَا تَلِفَ مِنْهُ أَوْ تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ فِيهِ، فَلَهُ تَضْمِينُ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَبُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الْمُتْلِفِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ.

[فَصْل نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً نِكَاحًا مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلَانِهِ]

(٦٣٦٢) فَصْلٌ: وَإِذَا نَكَحَ رَجُلٌ امْرَأَةً نِكَاحًا مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلَانِهِ، مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ ذَاتَ مَحْرَمِهِ، أَوْ مُعْتَدَّةً يَعْلَمُ حَالَهَا وَتَحْرِيمَهَا، فَلَا حُكْمَ لِعَقْدِهِ، وَالْخَلْوَةُ بِهَا كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، لَا تُوجِبُ عِدَّةً، وَكَذَلِكَ الْمَوْتُ عَنْهَا لَا يُوجِبُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ. وَإِنْ وَطِئَهَا، اعْتَدَّتْ لِوَطْئِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ مُنْذُ وَطِئَهَا، سَوَاءٌ فَارَقَهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، كَمَا لَوْ زَنَى بِهَا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ. وَإِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، فَإِنْ مَاتَ عَنْهَا، فَنَقَلَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَلَيْهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ لَا يُثْبِتُ الْحِلَّ، فَأَشْبَهَ الْبَاطِلَ.

فَعَلَى هَذَا، إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ نِكَاحٌ يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ، فَوَجَبَتْ بِهِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ، كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَفَارَقَ الْبَاطِلَ، فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ. وَإِنْ فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ، اعْتَدَّتْ بَعْدَ فُرْقَتِهِ بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ، وَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْخَلْوَةِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمُفَارِقَةَ فِي الْحَيَاةِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، بِلَا خِلَافٍ، فَفِي الْفَاسِدِ أَوْلَى.

وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخَلْوَةِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى النِّكَاحِ الصَّحِيحِ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ، فَكَذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهَا خَلْوَةٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ، أَشْبَهْت الَّتِي نِكَاحُهَا بَاطِلٌ. وَالثَّانِي، أَنَّ الْخَلْوَةَ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ لَا تُوجِبُ الْعِدَّةَ، فَفِي الْفَاسِدِ أَوْلَى. وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>