وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعُشْرَ، لِيُوَافِقَ فِعْلُهُ فِعْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ أَذِنَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ أَمَانٌ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَلَمْ يُسْتَحَقَّ بِهِ شَيْءٌ، كَالْهُدْنَةِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ الْعُشْرُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ. وَلَنَا، مَا رَوَيْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَلِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْهُمْ الْعُشْرَ، وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ، مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَأَيُّ إجْمَاعٍ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ هَذَا؟ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عِنْدَ دُخُولِهِمْ، وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِالتَّخْمِينِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ، وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْهُمْ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَيَجِبُ أَخْذُهُ.
فَأَمَّا سُؤَالُ عُمَرَ عَمَّا يَأْخُذُونَ مِنَّا، فَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ وَمِقْدَارِهِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ، وَلَوْ تَقَيَّدَ أَخْذُنَا مِنْهُمْ بِأَخْذِهِمْ مِنَّا، لَوَجَبَ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ.
[فَصْلٌ يُؤْخَذُ مِنْ أَهْل الْكِتَاب الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ أَخَذَ الْجِزْيَة]
فَصْلٌ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا دَخَلُوا فِي نَقْلِ مِيرَةٍ بِالنَّاسِ إلَيْهَا حَاجَةٌ، أُذِنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ بِغَيْرِ عُشْرٍ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ. وَلَنَا، عُمُومُ مَا رَوَيْنَاهُ. وَرَوَى صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ، وَمِنْ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ، لِيَكْثُرَ الْحَمْلُ إلَى الْمَدِينَةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمْ إذَا رَأَى
الْمَصْلَحَةَ
فِيهِ، وَلَهُ التَّرْكُ أَيْضًا إذَا رَأَى
الْمَصْلَحَةَ.
[فَصْلٌ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ حَرْبِيٍّ تَاجِرٍ وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ ذِمِّيٍّ تَاجِرٍ]
(٧٦٨٣) فَصْلٌ: وَيُؤْخَذُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ حَرْبِيٍّ تَاجِرٍ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ ذِمِّيٍّ تَاجِرٍ، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ عُشْرٌ وَلَا نِصْفُ عُشْرٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَرْبِيَّةً أَوْ ذِمِّيَّةً، لَكِنْ إنْ دَخَلَتْ الْحِجَازَ عُشِرَتْ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهِ. وَلَا يُعْرَفُ هَذَا التَّفْصِيلُ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا يَقْتَضِيه مَذْهَبُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ فِي أَمْوَالِ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ وَصِبْيَانِهِمْ، فَكَذَلِكَ يُوجِبُ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَهُ فِي مَالِ النِّسَاءِ، وَعُمُومُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ لَيْسَ فِيهَا تَخْصِيصٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا بِجِزْيَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ يَخْتَصُّ بِمَالِ التِّجَارَةِ، لِتَوَسُّعِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَانْتِفَاعِهِ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، فَيَسْتَوِي فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالزَّكَاةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.
[فَصْلٌ الْحَرْبِيَّ يُعْشَرُ كَلَّمَا دَخَلَ إلَيْنَا الْجِزْيَة]
(٧٦٨٤) فَصْلٌ: وَلَا يُعْشَرُونَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ. نَصَّ عَلَيْهِمَا أَحْمَدُ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، أَنَّ الْحَرْبِيَّ يُعْشَرُ كَلَّمَا دَخَلَ إلَيْنَا. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّنَا لَوْ أَخَذْنَا مِنْهُ مَرَّةً