فَإِنْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْت عَلَيْهَا. فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ ضَمِنَهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا عِنْدَ خَوْفِهِ عَلَيْهَا، أَوْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّ نَهْيَهُ مَعَ خَوْفِ الْهَلَاكِ نَصٌّ فِيهِ، وَتَصْرِيحٌ بِهِ، فَيَكُونُ مَأْذُونًا فِي تَرْكِهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِامْتِثَالِهِ أَمْرَ صَاحِبِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا. فَأَتْلَفَهَا. وَلَا يَضْمَنُ إذَا أَخْرَجَهَا؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَحِفْظٍ، فَلَمْ يَضْمَنْ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهَا. فَلَمْ يُتْلِفْهَا حَتَّى تَلِفَتْ.
[فَصْلٌ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَوْضِعَ إحْرَازِهَا]
(٥٠٥٠) فَصْلٌ: وَإِنْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَةً، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَوْضِعَ إحْرَازِهَا، فَإِنَّ الْمُودَعَ يَحْفَظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ. فَإِنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزٍ، ثُمَّ نَقَلَهَا عَنْهُ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا، لَمْ يَضْمَنْهَا، سَوَاءٌ نَقَلَهَا إلَى مِثْلِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا رَدَّ حِفْظَهَا إلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي إحْرَازِهَا بِمَا شَاءَ مِنْ إحْرَازِ مِثْلِهَا، وَلِهَذَا لَوْ تَرَكَهَا فِي هَذَا الثَّانِي أَوَّلًا لَمْ يَضْمَنْهَا، فَكَذَلِكَ إذَا نَقَلَهَا إلَيْهِ. وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي بَيْتِ صَاحِبِهَا فَقَالَ لِرَجُلٍ: احْفَظْهَا فِي مَوْضِعِهَا. فَنَقَلَهَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُودَعٍ، إنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا، وَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَلَا مِنْ مَوْضِعٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا، إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا.
فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا، وَقَدْ تَعَيَّنَ حِفْظُهَا فِي إخْرَاجِهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ حَضَرَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَأَخْرَجَهَا، وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا عَلَى صِفَةٍ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الصِّفَةُ، لَزِمَهُ حِفْظُهَا بِدُونِهَا، كَالْمُسْتَوْدَعِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْ إخْرَاجِهَا فَتَلِفَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ نَارٍ]
(٥٠٥١) فَصْلٌ: إذَا أَخْرَجَ الْوَدِيعَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْ إخْرَاجِهَا، فَتَلِفَتْ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَجَهَا لِغَشَيَانِ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ، أَوْ شَيْءٍ ظَاهِرٍ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا وُجُودَهُ، فَعَلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ. فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ، لِأَنَّهُ تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يُطَالَبْ بِهَا، كَمَا لَوْ ادَّعَى التَّلَفَ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالْحُكْمُ فِي إخْرَاجِهَا مِنْ الْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ، حُكْمُ إخْرَاجِهَا مِنْ الْبَيْتِ، عَلَى مَا مَضَى مِنْ التَّفْصِيلِ فِيهِ.
[فَصْلٌ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَدِيعَة فِي مَنْزِلِهِ فَتَرَكَهَا فِي ثِيَابِهِ وَخَرَجَ بِهَا]
(٥٠٥٢) فَصْلٌ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي مَنْزِلِهِ، فَتَرَكَهَا فِي ثِيَابِهِ، وَخَرَجَ بِهَا، ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أُحْرِزَ لَهَا. وَإِنْ جَاءَهُ بِهَا فِي السُّوقِ، فَقَالَ: احْفَظْهَا فِي بَيْتِكَ. فَقَامَ بِهَا فِي الْحَالِ، فَتَلِفَتْ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ تَرَكَهَا فِي دُكَّانِهِ أَوْ ثِيَابِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute