وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الرِّبْحَ إذَا ظَهَرَ فِي الْمُضَارَبَةِ، لَمْ يَجُزْ لِلْمُضَارِبِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبٍّ الْمَالِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا. وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ لَأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدهَا، إنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، فَلَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ الَّذِي يَكُونُ هَذَا الرِّبْحُ جَابِرًا لَهُ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ رِبْحًا. وَالثَّانِي، إنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرِيكُهُ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَاسَمَةُ نَفْسِهِ.
الثَّالِث، أَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لِأَنَّهُ بِعَرْضِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ يَدِهِ بِجُبْرَانِ خَسَارَةِ الْمَالِ. وَإِنْ أَذِنَ رَبُّ الْمَالِ فِي أَخْذِ شَيْءٍ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا.
[فَصْلٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ وَأَبَى الْآخَرُ فِي الشَّرِكَة]
(٣٦٩٩) فَصْلٌ: وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ، وَأَبَى الْآخَرُ، قُدِّمَ قَوْلُ الْمُمْتَنِعِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ، فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ فِي رَأْسِ الْمَالِ، فَيَجْبُرُهُ بِالرِّبْحِ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلَ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْزَمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَسَوَاءٌ اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا يُنْفِقُهُ. ثُمَّ مَتَى ظَهَرَ فِي الْمَالِ خُسْرَانٌ، أَوْ تَلِفَ كُلُّهُ، لَزِمَ الْعَامِلَ رَدُّ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِمَّا أَخَذَهُ، أَوْ نِصْفِ خُسْرَانِ الْمَالِ، إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ نِصْفَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ، وَلَمْ يَقْبِضْ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: يَرُدُّ الْعَامِلُ الرِّبْحَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَالِ مَالَهُ. وَلَنَا، عَلَى جَوَازِ الْقِسْمَةِ، أَنَّ الْمَالَ لَهُمَا، فَجَازَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَا بَعْضَهُ، كَالشَّرِيكَيْنِ. أَوْ نَقُولَ: إنَّهُمَا شَرِيكَانِ، فَجَازَ لَهُمَا قِسْمَةُ الرِّبْحِ قَبْلَ الْمُفَاضَلَةِ، كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ.
[فَصْلٌ الْمُضَارَبَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ]
فَصْلٌ: وَالْمُضَارَبَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا، أَيِّهِمَا كَانَ، وَبِمَوْتِهِ، وَجُنُونِهِ، وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ، فَهُوَ كَالْوَكِيلِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ. فَإِذَا انْفَسَخَتْ وَالْمَالُ نَاضٌّ لَا رِبْحَ فِيهِ، أَخَذَهُ رَبُّهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ، قَسَمَا الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ. وَإِنْ انْفَسَخَتْ وَالْمَالُ عَرْضٌ، فَاتَّفَقَا عَلَى بَيْعِهِ أَوْ قَسَمَهُ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، لَا يَعْدُوهُمَا. وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ، وَأَبَى، رَبُّ الْمَالِ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أُجْبِرَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْبَيْعِ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَالثَّوْرِيِّ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْبَيْعِ.
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ، لَمْ يُجْبَرْ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ رَضِيَهُ مَالِكُهُ كَذَلِكَ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى بَيْعِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ وَجْهٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute