[بَاب صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]
ِ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، ثَابِتَةٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. (١٤٧٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِم، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ، وَاحْتَبَسَ الْقَطْرُ، خَرَجُوا مَعَ الْإِمَامِ، فَكَانُوا فِي خُرُوجِهِمْ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ كَانَ إذَا خَرَجَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ، خَرَجَ مُتَوَاضِعًا، مُتَبَذِّلًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَذَلِّلًا، مُتَضَرِّعًا» ) .
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ الْخُرُوجُ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، مُتَوَاضِعًا لِلَّهِ تَعَالَى، مُتَبَذِّلًا، أَيْ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ، أَيْ لَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الزِّينَةِ، وَلَا يَتَطَيَّبُ، لِأَنَّهُ مِنْ كَمَالِ الزِّينَةِ، وَهَذَا يَوْمُ تَوَاضُعٍ وَاسْتِكَانَةٍ، وَيَكُونُ مُتَخَشَّعًا فِي مَشْيِهِ وَجُلُوسِهِ، فِي خُضُوعٍ، مُتَضَرِّعًا لِلَّهِ تَعَالَى، مُتَذَلِّلًا لَهُ، رَاغِبًا إلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَبَذِّلًا، مُتَوَاضِعًا، مُتَخَشِّعًا، مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ كَخُطْبَتِكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَيُسْتَحَبُّ التَّنْظِيفُ بِالْمَاءِ، وَاسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ وَمَا يَقْطَعُ الرَّائِحَةَ، وَيُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ لِكَافَّةِ النَّاسِ، وَخُرُوجُ مَنْ كَانَ ذَا دِينٍ وَسِتْرٍ وَصَلَاحٍ، وَالشُّيُوخُ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا، لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِلْإِجَابَةِ. فَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا بَأْسَ بِخُرُوجِ الْعَجَائِزِ، وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا، فَأَمَّا الشَّوَابُّ وَذَوَاتُ الْهَيْئَةِ، فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ، لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي خُرُوجِهِنَّ أَكْثَرُ مِنْ النَّفْعِ. وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ.
وَإِذَا عَزَمَ الْإِمَامُ عَلَى الْخُرُوجِ، اُسْتُحِبَّ أَنْ يَعِدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ؛ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لَإِجَابَتِهِمْ، فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ سَبَبُ الْجَدْبِ، وَالطَّاعَةُ تَكُونُ سَبَبًا لِلْبَرَكَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: ٩٦] .
[مَسْأَلَةٌ صِفَة صَلَاة الِاسْتِسْقَاء]
(١٤٧٥) مَسْأَلَةٌ؛ (قَالَ: فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا رَكْعَتَانِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي صِفَتِهَا، فَرُوِيَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهِمَا كَتَكْبِيرِ الْعِيدِ سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَدَاوُد، وَالشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِهِ: وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ.
وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، كَانُوا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ، يُكَبِّرُونَ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسًا» . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute