[مَسْأَلَةٌ الرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ]
(٣٦٤٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ) يَعْنِي فِي جَمِيعِ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ الْمَحْضَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ثُلُثَ الرِّبْحِ، أَوْ نِصْفَهُ، أَوْ مَا يُجْمِعَانِ عَلَيْهِ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْلُومًا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ.
وَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمُضَارِبِ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ، فَجَازَ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، كَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَكَالْجُزْءِ مِنْ الثَّمَرَةِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ. وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِك بَدَنَانِ بِمَالَيْهِمَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَيَا مَعَ تَفَاضُلِهِمَا فِي الْمَالِ، وَأَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَالِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا كَوْنُ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ تَبَعٌ لِلْمَالِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَقْدُ الشَّرِكَةِ، وَإِطْلَاقُ الرِّبْحِ، فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ بِالشَّرْطِ، كَالْوَضِيعَةِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْعَمَلَ مِمَّا يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، فَجَازَ أَنْ يَتَفَاضَلَا فِي الرِّبْحِ مَعَ وُجُودِ الْعَمَلِ مِنْهُمَا، كَالْمُضَارِبَيْنِ لَرَجُلٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنْ الْآخَرِ، وَأَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ الرِّبْحُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْمُضَارِبِ.
يُحَقِّقُهُ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْمَالِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حِصَّةٌ مِنْ الرِّبْحِ إذَا كَانَ مُفْرَدًا، فَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا، وَأَمَّا حَالَةُ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ يُقْسَمُ الرِّبْحُ عَلَيْهِ، وَيَتَقَدَّرُ بِهِ، قَدَّرْنَاهُ بِالْمَالِ، لِعَدَمِ الشَّرْطِ، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ، فَهُوَ الْأَصْلُ، فَيَصِيرُ إلَيْهِ، كَالْمُضَارَبَةِ يُصَارُ إلَى الشَّرْطِ، فَإِذَا عَدَمَ، وَقَالَا: الرِّبْحُ بَيْنَنَا. كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَفَارَقَ الْوَضِيعَةَ؛ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَالِ، بِدَلِيلِ الْمُضَارَبَةِ.
وَأَمَّا شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، فَهِيَ مَعْقُودَةٌ عَلَى الْعَمَلِ الْمُجَرَّدِ، وَهُمَا يَتَفَاضَلَانِ فِيهِ مَرَّةً، وَيَتَسَاوَيَانِ أُخْرَى، فَجَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي شَرِكَةِ الْعِنَانِ، بَلْ هَذِهِ أَوْلَى؛ لِانْعِقَادِهَا عَلَى الْعَمَلِ الْمُجَرَّدِ.
وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، فَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ بِعُمُومِهِ يَقْتَضِي جَوَازَ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ. وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الشَّرِكَاتِ الرِّبْحُ فِيهَا عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هَذِهِ، وَلِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى الْعَمَلِ وَغَيْرِهِ، فَجَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، كَشَرِكَةِ الْعِنَانِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِي الْمُشْتَرَى؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ يُسْتَحَقُّ بِالضَّمَانِ، إذْ الشَّرِكَةُ وَقَعَتْ عَلَيْهِ خَاصَّةً إذْ لَا مَالَ عِنْدَهُمَا، فَيَشْتَرِكَانِ عَلَى الْعَمَلِ، وَالضَّمَانُ لَا تَفَاضُلَ فِيهِ، فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الرِّبْحِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute