للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُقُوعَ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا مَعَهُ، فَيَجِبُ أَنْ يُقْضَى بِوُقُوعِ الطَّلْقَةِ الْمُوَقَّعَةِ دُونَ مَا تَعَلَّقَ بِهَا؛ لِأَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِهَا تَابِعٌ، وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْمَتْبُوعِ لِامْتِنَاعِ حُصُولِ التَّبَعِ، فَيَبْطُلُ التَّابِعُ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: إذَا أَعْتَقْت سَالِمًا فَغَانِمٌ حُرٌّ. وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إلَّا أَحَدُهُمَا، فَإِنَّ سَالِمًا يَعْتِقُ وَحْدَهُ، وَلَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا أَدَّى إلَى عِتْقِ الْمَشْرُوطِ دُونَ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: فَغَانِمٌ حُرٌّ قَبْلَهُ، أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ. أَوْ تَطْلُقُ. كَذَا هَاهُنَا.

[فَصْلٌ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ]

(٥٩٣٢) فَصْلٌ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ "، وَأَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، أَيِّ شَرْطٍ كَانَ، إلَّا قَوْلَهُ: إذَا شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَنَحْوَهُ، فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ. وَإِذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ. وَإِذَا طَهُرْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنَّهُ طَلَاقُ سُنَّةٍ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى حَلِفًا عُرْفًا، فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَلِأَنَّ فِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْقَسَمِ، مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ جُمْلَةً غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ دُونَ الْجَوَابِ، فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ: وَاَللَّهِ، وَبِاَللَّهِ، وَتَاللَّهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي فِي " الْمُجَرَّدِ " هُوَ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ يَقْصِدُ بِهِ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ الْمَنْعَ مِنْهُ، كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي فَأَنْتِ طَالِقٌ. أَوْ عَلَى تَصْدِيقِ خَبَرِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يَقْدَمْ. فَأَمَّا التَّعْلِيقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، أَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ، أَوْ إنْ لَمْ يَقْدَمْ السُّلْطَانُ. فَهُوَ شَرْطٌ مَحْضٌ لَيْسَ بِحَلِفٍ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْحَلِفِ الْقَسَمُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ حَلِفًا تَجَوُّزًا، لِمُشَارَكَتِهِ الْحَلِفَ فِي الْمَعْنَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ الْحَثُّ، أَوْ الْمَنْعُ، أَوْ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ، نَحْوُ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ لَا أَفْعَلُ، أَوْ لَقَدْ فَعَلْت، أَوْ لَمْ أَفْعَلْ. وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، لَا يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ حَلِفًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إذَا حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ قَالَ: إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ فِي الْحَالِ، عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَلِفٍ، وَتَطْلُقُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَلِفٌ. وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا كَلَّمْت أَبَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ. طَلَقَتْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَكَانَ حَلِفًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ.

وَإِنْ قَالَ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ. ثُمَّ أَعَادَ ذَلِكَ، طَلَقَتْ وَاحِدَةً، ثُمَّ كُلَّمَا أَعَادَهُ مَرَّةً طَلَقَتْ، حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ يُوجَدُ بِهَا شَرْطُ الطَّلَاقِ، وَيَنْعَقِدُ شَرْطُ طَلْقَةٍ أُخْرَى. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَيْسَ ذَلِكَ بِحَلِفٍ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِتَكْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ لِلْكَلَامِ، فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لَاحِقًا. وَلَنَا، أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى شَرْطٍ يُمْكِنُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، فَكَانَ حَلِفًا، كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. وَقَوْلُهُ: إنَّهُ تَكْرَارٌ لِلْكَلَامِ. حُجَّةٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ تَكْرَارَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِهِ مَرَّةً أُخْرَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>