لَمَّا حَرَّمَ كِتْمَانَهَا دَلَّ عَلَى قَبُولِهَا، كَذَا هَاهُنَا. وَلِأَنَّهُ مَعْنًى فِيهَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهَا فِيهِ، كَقَضَاءِ عِدَّتِهَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَيَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ، بِإِدْخَالِ قُطْنَةٍ فِي الْفَرْجِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي ادَّعَتْ الْحَيْضَ فِيهِ، فَإِنْ ظَهَرَ الدَّمُ فَهِيَ حَائِضٌ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ. فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت: يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ، فَتُعْطَى قُطْنَةً وَتُخْرِجُهَا، فَإِنْ خَرَجَ الدَّمُ فَهِيَ حَائِضٌ، تَطْلُقُ وَيَعْتِقُ الْعَبْدُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَبِهَذَا أَقُولُ. وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا، كَدُخُولِ الدَّارِ. وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَلَعَلَّ أَحْمَدَ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَجْلِ عِتْقِ الْعَبْدِ، فَإِنَّ قَوْلَهَا إنَّمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا. وَهَلْ يُعْتَبَرُ يَمِينُهَا إذَا قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا، فَأَنْكَرَهَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا، مِنْ طَلَاقِ أُخْرَى، أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ.
نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذِهِ مَعَك. لِامْرَأَتِهِ الْأُخْرَى. قَالَتْ: قَدْ حِضْت. مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ، تَطْلُقُ هِيَ، وَلَا تَطْلُقُ هَذِهِ حَتَّى تَعْلَمَ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَا يُجْعَلُ طَلَاقُ هَذِهِ بِيَدِهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا، دُونَ غَيْرِهَا، فَصَارَتْ كَالْمُودَعِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُودِعِ دُونَ غَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ: قَدْ حِضْت. فَأَنْكَرَتْ. طَلُقَتْ بِإِقْرَارِهِ. فَإِنْ قَالَ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ وَضَرَّتُك طَالِقَتَانِ. فَقَالَتْ: قَدْ حِضْت. فَصَدَّقَهَا، طَلُقَتَا بِإِقْرَارِهِ. وَإِنْ كَذَّبَهَا، طَلُقَتْ وَحْدَهَا.
وَإِنْ ادَّعَتْ الضَّرَّةُ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتهَا بِحَيْضِ غَيْرِهَا كَمَعْرِفَةِ الزَّوْجِ بِهِ، وَإِنَّمَا اُؤْتُمِنَتْ عَلَى نَفْسِهَا فِي حَيْضِهَا. وَإِنْ قَالَ: قَدْ حِضْت. فَأَنْكَرَتْ، طَلُقَتَا بِإِقْرَارِهِ. وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ. فَقَالَتَا: قَدْ حِضْنَا. فَصَدَّقَهُمَا، طَلُقَتَا، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطَيْنِ، حَيْضِهَا، وَحَيْضِ ضَرَّتِهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ ضَرَّتِهَا عَلَيْهَا، فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطَانِ. وَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا، وَكَذَّبَ الْأُخْرَى، طَلُقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّهَا. وَقَدْ صَدَّقَ الزَّوْجُ ضَرَّتَهَا، فَوُجِدَ الشَّرْطَانِ فِي طَلَاقِهَا، وَلَمْ تَطْلُقْ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ ضَرَّتِهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّهَا، وَمَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ، فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ طَلَاقِهَا.
[فَصْلٌ قَالَ لَأَرْبَعٍ إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ]
فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لَأَرْبَعٍ: إنْ حِضْتُنَّ فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ. فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا. فَصَدَّقَهُنَّ، طَلُقْنَ وَإِنْ كَذَّبَهُنَّ، لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ طَلَاقِهِنَّ حَيْضُ الْأَرْبَعِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، لَمْ تَطْلُقْ، وَاحِدَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute