للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَخْذَ مَالِهِ، وَتَفْرِيغَ مِلْكِهِمْ، وَإِزَالَةَ ضَرَرِهِ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْعُهُ، كَالْمُشْتَرِي إذَا غَرَسَ فِي الْأَرْضِ الْمَشْفُوعَةِ. وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ، فَبَذَلُوا لَهُ الْقِيمَةَ لِيَمْلِكَهُ الْمُفْلِسُ، أَوْ أَرَادُوا قَلْعَهُ وَضَمَانَ النَّقْصِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادُوا قَلْعَهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ إنَّمَا ابْتَاعَهُ مَقْلُوعًا، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ فِي أَرْضِهِ

وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُمْ قَلْعُهُ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ غَرْسٌ بِحَقٍّ، فَأَشْبَهَ غَرْسَ الْمُفْلِسِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي ابْتَاعَهَا إذَا رَجَعَ بَائِعُهَا فِيهَا. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ إبْقَاءَ الْغِرَاسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا إبْقَاؤُهُ حَقٌّ لَهُ فَوَجَبَ لَهُ بِغِرَاسِهِ فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُهُمْ الْقَلْعَ، وَبَعْضُهُمْ التَّبْقِيَةَ، قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ الْقَلْعَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُفْلِسَ أَوْ الْغُرَمَاءَ، أَوْ بَعْضَ الْغُرَمَاءَ؛ لِأَنَّ الْإِبْقَاءَ ضَرَرٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَلَمْ يَلْزَمْ الْمُمْتَنِعَ مِنْهُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ

وَإِنْ زَادَ الْغِرَاسُ فِي الْأَرْضِ، فَهِيَ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، تَمْنَعُ الرُّجُوعَ عَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَلَا تَمْنَعُهُ عَلَى رِوَايَةِ الْمَيْمُونِي.

[فَصْلٌ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ وَغِرَاسًا مِنْ آخَرَ فَغَرَسَهُ فِيهَا ثُمَّ أَفْلَسَ]

(٣٤٣٣) فَصْلٌ: وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ، وَغِرَاسًا مِنْ آخَرَ، فَغَرَسَهُ فِيهَا، ثُمَّ أَفْلَسَ وَلَمْ يَزِدْ الشَّجَرُ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ، وَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَلْعُ الْغِرَاسِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانِ نَقْصِهِ بِالْقَلْعِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ الْبَائِعَ إنَّمَا بَاعَهُ مَقْلُوعًا، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا كَذَلِكَ

وَإِنْ أَرَادَ بَائِعُهُ قَلْعَهُ مِنْ الْأَرْضِ، فَقَلَعَهُ، فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ، وَضَمَانُ نَقْصِهَا الْحَاصِلِ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ قِيمَةَ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا لِيَمْلِكَهُ، لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ أَصْلٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا تَبَعًا. وَإِنْ بَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ لِيَمْلِكَهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْقَلْعِ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَرْسَهُ حَصَلَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِحَقٍّ، فَأَشْبَهَ غَرْسَ الْمُفْلِسِ فِي أَرْضِ الْبَائِعِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى إبْقَائِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ نَقْصِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْقِيمَةِ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالْأُولَى أَوْلَى. وَهَذَا يَنْتَقِضُ بِغَرْسِ الْغَاصِبِ.

[فَصْلٌ قَبَضَ بَائِعُ الْأَرْض بَعْض ثَمَنهَا]

(٣٤٣٤) فَصْلٌ: الشَّرْطُ الثَّالِثُ، أَنْ لَا يَكُونَ الْبَائِعُ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا.

فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهَا، سَقَطَ حَقُّ الرُّجُوعِ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ تَرْجِعُ بِهِ الْعَيْنُ كُلُّهَا إلَى الْعَاقِدِ، فَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ بَعْضُهَا، كَالْفُرْقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ

وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ رَدَّ مَا قَبَضَهُ وَرَجَعَ فِي جَمِيعَ الْعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ حَاصَّ الْغُرَمَاءَ وَلَمْ يَرْجِعْ. وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً، فَأَدْرَكَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>