جَازَ بَيْعُهُ أَوْ لَمْ يَجُزْ، مِثْلَ أَنْ يَغْصِبَ مَنْفَعَتَهُ، بِأَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ فِي إجَارَتِهِ عَامًا، وَيَغْلِبَ صَاحِبَهَا عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا فِي هَذَا الْعَامِ إلَّا مِنْ غَاصِبِهَا، أَوْ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُ
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ، إلَّا أَنْ يُؤْجِرَ الشَّرِيكَانِ مَعًا. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهُ كَالْمَغْصُوبِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى مَالِ شَرِيكِهِ. وَاخْتَارَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ جَوَازَ ذَلِكَ. وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ كَالْمُفْرَدِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ فِي مِلْكِهِ، يَجُوزُ مَعَ شَرِيكِهِ، فَجَازَ مَعَ غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ إذَا فَعَلَهُ الشَّرِيكَانِ مَعًا، فَجَازَ لِأَحَدِهِمَا فِعْلُهُ فِي نَصِيبِهِ مُفْرَدًا، كَالْبَيْعِ
وَمَنْ نَصَرَ الْأَوَّلَ فَرَّقَ بَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَبَيْنَ مَا إذَا آجَرَهُ الشَّرِيكَانِ، أَوْ آجَرَهُ لِشَرِيكِهِ، بِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَأَشْبَهَ إجَارَةَ الْمَغْصُوبِ مِنْ غَاصِبِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِوَاحِدٍ، فَآجَرَ نِصْفَهَا، صَحَّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ، ثُمَّ إنْ آجَرَ نِصْفَهَا الْآخَرَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ صَحَّ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، وَإِنْ آجَرَهُ لِغَيْرِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ مَا آجَرَهُ إلَيْهِ
وَإِنْ آجَرَ الدَّارَ لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ.
[فَصْل إجَارَةِ الْمُصْحَفِ]
(٤٣٢٠) فَصْلٌ: وَفِي إجَارَةِ الْمُصْحَفِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ، مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ إجْلَالُ كَلَامِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ عَنْ الْمُعَاوَضَةِ بِهِ، وَابْتِذَالِهِ بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَةِ. وَالثَّانِي، تَجُوزُ إجَارَتُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مُبَاحٌ، تَجُوزُ الْإِعَارَةُ مِنْ أَجْلِهِ، فَجَازَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ، كَسَائِرِ الْكُتُبِ، فَأَمَّا سَائِرُ الْكُتُبِ الْجَائِزِ بَيْعُهَا، فَتَجُوزُ إجَارَتُهَا
وَمُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ مَنْعَ إجَارَةِ الْمُصْحَفِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ، وَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ لِمِثْلِ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ سَقْفًا لِيَنْظُرَ إلَى عَمَلِهِ وَتَصَاوِيرِهِ، أَوْ شَمْعًا لِيَتَجَمَّلَ بِهِ. وَلَنَا أَنَّهُ انْتِفَاعٌ مُبَاحٌ يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْإِعَارَةُ لَهُ، فَجَازَتْ إجَارَتُهُ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ. وَفَارَقَ النَّظَرَ إلَى السَّقْفِ؛ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِعَارَةِ مِنْ أَجْلِهِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا يُحْتَاجُ إلَى الْقِرَاءَةِ فِي الْكُتُبِ، وَالتَّحَفُّظِ مِنْهَا، وَالنَّسْخِ وَالسَّمَاعِ مِنْهَا وَالرِّوَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعِ الْمَقْصُودِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute