للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ تَلِفَ مَالُهُ، ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْد الْمُشْتَرِي، هَلْ يَمْنَعُ الرَّدَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَرُدُّهُ. فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ.

قَالَ أَحْمَدُ: فِي رَجُلٍ اشْتَرَى أَمَةً مَعَهَا قِنَاعٌ، فَاشْتَرَطَهُ، وَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ، وَقَدْ تَلِفَ الْقِنَاعُ: غَرِمَ قِيمَتَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ. (٣٠٣٩) فَصْلٌ: وَمَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الْجَارِيَةِ مِنْ الْحُلِيِّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا. فَأَمَّا الثِّيَابُ فَقَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ يَلْبَسهُ عِنْد الْبَائِع، فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ ثِيَابًا يَلْبَسُهَا فَوْقَ ثِيَابِهِ، أَوْ شَيْئًا يُزَيِّنُهُ بِهِ، فَهُوَ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ. يَعْنِي أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي يَلْبَسُهَا عَادَةً لِلْخِدْمَةِ وَالْبِذْلَةِ، تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، دَوَّنَ الثِّيَابِ الَّتِي يَتَجَمَّلُ بِهَا؛ لِأَنَّ ثِيَابَ الْبِذْلَةِ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا مَعَهُ، وَلِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِهَا مَصْلَحَتُهُ وَحَاجَتُهُ، إذْ لَا غَنَاءَ لَهُ عَنْهَا، فَجَرَتْ مَجْرَى مَفَاتِيحِ الدَّارِ، بِخِلَافِ ثِيَابِ الْجَمَالِ، فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا حَاجَةُ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يُلْبِسُهَا إيَّاهُ لِيُنْفِقَهُ بِهَا، وَهَذِهِ حَاجَةُ السَّيِّدِ، لَا حَاجَةُ الْعَبْدِ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهَا، فَجَرَتْ مَجْرَى السُّتُورِ فِي الدَّارِ وَالدَّابَّةِ الَّتِي يَرْكَبُهُ عَلَيْهَا، مَعَ دُخُولِهَا فِي الْخَبَرِ، وَبَقَائِهَا عَلَى الْأَصْلِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَر: مَنْ بَاعَ وَلِيدَةً، زَيَّنَهَا بِثِيَابٍ، فَلِلَّذِي اشْتَرَاهَا مَا عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الَّذِي بَاعَهَا.

وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ وَلَنَا، الْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ. وَلِأَنَّ الثِّيَابَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا لَفْظُ الْبَيْعِ، وَلَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا مَعَهُ، أَشْبَهَ سَائِرَ مَالِ الْبَائِعِ. وَلِأَنَّهُ زِينَةٌ لِلْمَبِيعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ زَيَّنَ الدَّارَ بِبِسَاطٍ أَوْ سِتْرٍ.

[فَصْلٌ لَا يَمْلِك الْعَبْد شَيْئًا إذَا لَمْ يَمْلِكهُ سَيِّده]

(٣٠٤٠) فَصْلٌ: وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا، إذَا لَمْ يُمَلِّكْهُ سَيِّدُهُ. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: يَمْلِكُ؛ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] . وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ» . فَأَضَافَ الْمَالَ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ.

وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] . وَلِأَنَّ سَيِّدَهُ يَمْلِكُ عَيْنَهُ وَمَنَافِعَهُ، فَمَا حَصَلَ بِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ، كَبَهِيمَتِهِ. فَأَمَّا إنَّ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ شَيْئًا، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يَمْلِكُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَالسَّيِّدُ يُزَكِّي عَمَّا فِي يَدِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ. وَقَالَ: وَالْعَبْدُ لَا يَرِثُ، وَلَا مَالَ لَهُ فَيُورَثُ عَنْهُ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ، فَلَمْ يَمْلِكْ، كَالْبَهِيمَةِ.

وَالثَّانِي، يَمْلِكُ. وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ؛ لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ، وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ حَيٌّ، فَمَلَكَ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ فِي النِّكَاحِ، فَمَلَكَ فِي الْمَالِ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهُ، فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَمَا ذَكَرُوهُ تَعْلِيلٌ بِالْمَانِعِ، وَلَا يَثْبُتُ اعْتِبَارُهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ الْمُقْتَضِي فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يُوجَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>