للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كِتَابُ الْمُفْلِسِ]

ِ الْمُفْلِسُ هُوَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَلَا مَا يَدْفَعُ بِهِ حَاجَتَهُ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: «أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ، وَلَكِنَّ الْمُفْلِسَ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، وَيَأْتِي وَقَدْ ظَلَمَ هَذَا، وَلَطَمَ هَذَا، وَأَخَذَ مِنْ عِرْضِ هَذَا، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ، فَرُدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ صَكَّ لَهُ صَكٌّ إلَى النَّارِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ فَقَوْلُهُمْ ذَلِكَ إخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُفْلِسِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

" لَيْسَ ذَلِكَ الْمُفْلِسَ " تَجُوزُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ، بَلْ أَرَادَ أَنَّ فَلَسَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ؛ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُفْلِسُ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْغَنِيِّ. وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَغْلِبُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ السَّابِقُ مَنْ سَبَقَ بَعِيرُهُ، وَإِنَّمَا السَّابِقُ مَنْ غُفِرَ لَهُ» وَقَوْلُهُ «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، إنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ

لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيِّتٍ ... إنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ

وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا مُفْلِسًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ إلَّا الْفُلُوسَ، وَهِيَ أَدْنَى أَنْوَاعِ الْمَالِ. وَالْمُفْلِسُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: مَنْ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ، وَخَرَّجَهُ أَكْثَرُ مِنْ دَخْلِهِ. وَسَمَّوْهُ مُفْلِسًا وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ فِي جِهَةِ دَيْنِهِ، فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ. وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُفْلِسُ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، لَكِنَّهَا كَانَتْ دُونَ مَا عَلَيْهِ، فَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، وَبَقِيَ لَا شَيْءَ لَهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ عَدَمِ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، إلَّا الشَّيْءَ التَّافِهَ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ، كَالْفُلُوسِ وَنَحْوِهَا.

[مَسْأَلَةٌ الْأَحْكَام الْمُتَعَلِّقَة بِالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ]

(٣٤٠٥) فَصْلٌ: وَمَتَى لَزِمَ الْإِنْسَانَ دُيُونٌ حَالَّةٌ، لَا يَفِي مَالُهُ بِهَا، فَسَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، لَزِمَتْهُ إجَابَتُهُمْ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَظْهَرَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لِتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُهُ، فَإِذَا حُجِرَ عَلَيْهِ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ؛ أَحَدُهَا، تَعَلُّقُ حُقُوقِ الْغُرَمَاءِ بِعَيْنِ مَالِهِ. وَالثَّانِي، مَنْعُ تَصَرُّفِهِ فِي عَيْنِ مَالِهِ. وَالثَّالِثُ، أَنَّ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ إذَا وَجَدَتْ الشُّرُوطُ. الرَّابِعُ، أَنَّ لِلْحَاكِمِ بَيْعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>