للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَقْتَسِمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَأَنْ يَأْتِيَا الْحَاكِمَ لِيُنَصِّبَ بَيْنَهُمَا قَاسِمًا]

(٨٣١٦) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَقْتَسِمَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَأَنْ يَأْتِيَا الْحَاكِمَ لِيُنَصِّبَ بَيْنَهُمَا قَاسِمًا يَقْسِمُ لَهُمَا، وَأَنْ يُنَصِّبَا قَاسِمًا يَقْسِمُ لَهُمَا، فَإِنْ نَصَّبَ الْحَاكِمُ قَاسِمًا لَهُمَا، فَمِنْ شَرْطِهِ الْعَدَالَةُ، وَمَعْرِفَةُ الْحِسَابِ وَالْقِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ، لِيُوصِلَ إلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إلَّا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ حُرًّا.

وَإِنْ نَصَّبَا قَاسِمًا بَيْنَهُمَا، فَكَانَ عَلَى صِفَةِ قَاسِمِ الْحَاكِمِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَهُوَ كَقَاسِمِ الْحَاكِمِ، فِي لُزُومِ قِسْمَتِهِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، أَوْ فَاسِقًا، أَوْ غَيْرَ عَارِفٍ بِالْقِسْمَةِ، لَمْ تَلْزَمْ قِسْمَتُهُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا بِهَا، وَيَكُونُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فِيمَا يَرْجِعُ إلَى لُزُومِ الْقِسْمَةِ. وَيُجْزِئُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ، فَإِنْ احْتَاجَ الْقَسْمُ إلَى التَّقْوِيمِ، احْتَاجَ إلَى قَاسِمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمُقَوِّمُ اثْنَيْنِ، وَلَا يَكْفِي فِي التَّقْوِيمِ وَاحِدٌ. فَمَتَى نَصَّبَا قَاسِمًا أَوْ نَصَّبَهُ الْحَاكِمُ، وَكَانَتْ الشُّرُوطُ فِيهِ مُتَحَقِّقَةً، لَزِمَتْ الْقِسْمَةُ بِقُرْعَتِهِ. وَإِنْ اخْتَلَّ فِيهِ بَعْضُ الشُّرُوطِ، لَمْ تَلْزَمْ الْقِسْمَةُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ وَاحِدٌ. وَإِنْ قَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَأَقْرَعَا، لَمْ تَلْزَمْ الْقِسْمَةُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاكِمَ بَيْنَهُمَا، وَلَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ.

[فَصْلٌ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ]

(٨٣١٧) فَصْلٌ: وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ الْقَاسِمَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اتَّخَذَ قَاسِمًا، وَجَعَلَ لَهُ رِزْقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يَرْزُقْهُ الْإِمَامُ، قَالَ الْحَاكِمُ لِلْمُتَقَاسَمَيْنِ: ادْفَعَا إلَى الْقَاسِمِ أُجْرَةً لِيَقْسِمَ بَيْنَكُمَا. فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ لِيَقْسِمَ نَصِيبَهُ، جَازَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرُوهُ جَمِيعًا إجَارَةً وَاحِدَةً لِيَقْسِمَ بَيْنَهُمْ الدَّارَ بِأَجْرِ وَاحِدٍ مَعْلُومٍ، لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْأَجْرِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَقْسُومِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَكُونُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا كَعَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، سَوَاءٌ تَسَاوَتْ سِهَامُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ، فَإِنَّ الْأَجْرَ بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ. وَلَنَا أَنَّ أَجْرَ الْقِسْمَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْمِلِكِ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ، كَنَفَقِهِ الْعَبْدِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي أَكْبَرِ النَّصِيبَيْنِ أَكْثَرُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْسُومَ لَوْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، كَانَ كَيْلُ الْكَثِيرِ أَكْثَرَ عَمَلًا مِنْ كَيْلِ الْقَلِيلِ، وَكَذَلِكَ الْوَزْنُ وَالزَّرْعُ، وَعَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْحَافِظِ، فَإِنَّ حِفْظَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ، وَيَخْتَلِفُ أَجْرُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَالِ.

(٨٣١٨) فَصْلٌ: وَأُجْرَةُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا الطَّالِبَ لَهَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هِيَ عَلَى الطَّالِبِ لِلْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لَهُ. وَلَنَا، أَنَّ الْأُجْرَةَ تَجِبُ بِإِفْرَازِ الْأَنْصِبَاءِ، وَهُمْ فِيهَا سَوَاءٌ، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ تَرَاضَوْا عَلَيْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>