قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى إمَامَةِ الْمُتَنَفِّلِ لِلْمُفْتَرِضِ؛ وَوَجْهُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ: «يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» .
وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِهِ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ الْجَرْمِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِقَوْمِهِ: «يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ. قَالَ: فَكُنْت أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَغَيْرُهُ.
وَلِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلرِّجَالِ، فَجَازَ أَنْ يَؤُمَّهُمْ كَالْبَالِغِ. وَلَنَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ حَالُ كَمَالٍ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، فَلَا يَؤُمُّ الرِّجَالَ كَالْمَرْأَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الصَّبِيِّ الْإِخْلَالُ بِشَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ أَوْ الْقِرَاءَةِ حَالَ الْإِسْرَارِ. فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ يُضَعِّفُ أَمْرَ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ. وَقَالَ مَرَّةً: دَعْهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَيِّنٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: قِيلَ لِأَحْمَدَ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي أَيُّ شَيْءٍ هَذَا، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ بُلُوغَ الْأَمْرِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ بِالْبَادِيَةِ فِي حَيٍّ مِنْ الْعَرَبِ بَعِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقَوَّى هَذَا الِاحْتِمَالَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: وَكُنْت إذَا سَجَدْت خَرَجَتْ اسْتِي. وَهَذَا غَيْرُ سَائِغٍ.
(١١٩٣) فَصْلٌ: فَأَمَّا إمَامَتُهُ فِي النَّفْلِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا تَصِحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْضِ. وَالثَّانِيَةُ، تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُتَنَفِّلِينَ، وَلِأَنَّ النَّافِلَةَ يَدْخُلُهَا التَّخْفِيفُ، وَلِذَلِكَ تَنْعَقِدُ الْجَمَاعَةُ بِهِ فِيهَا إذَا كَانَ مَأْمُومًا.
[فَصْلٌ يَؤُمّ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ]
(١١٩٤) فَصْلٌ: يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمْ صَلَاةٌ: مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا هُمْ لَهُ كَارِهُونَ، وَرَجُلٌ يَأْتِي الصَّلَاةَ دِبَارًا - وَالدِّبَارُ: أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ أَنْ يَفُوتَهُ الْوَقْتُ - وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute