الثَّالِثُ، أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْكُلِّ، لَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ: لَا صَلَّيْت صَلَاةً لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يُسَمَّى صَلَاةً. وَلَوْ حَلَفَ: لَا صُمْت صِيَامًا. لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ حِضْت حَيْضَةً، فَأَنْتِ طَالِقٌ. لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَنَظَائِرَهَا. وَذِكْرُ الْأَلْفِ هَاهُنَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ أَدَاءَ الْأَلْفِ كَامِلَةً.
الرَّابِعُ، أَنَّنَا لَا نُسَلِّمُ هَذَا الْأَصْلَ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَأَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ أَكَلَتْ رَغِيفًا. لَمْ يَعْتِقْ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، وَإِنَّمَا إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ، حَنِثَ، فِي رِوَايَةٍ، فِي مَوْضِعٍ يَحْتَمِلُ إرَادَةَ الْبَعْضِ، وَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، كَمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا يَصُومُ فَشَرَعَ فِي الصَّوْمِ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ فَشَرِبَ بَعْضَهُ. وَنَحْوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ قَدْ صَلَّى وَصَامَ ذَلِكَ الْجُزْءَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ، وَالْقَدْرُ الَّذِي شَرِبَهُ مِنْ الْإِنَاءِ هُوَ مَاءُ الْإِنَاءِ، وَقَرِينَةُ حَالِهِ تَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْكُلِّ، فَتَقْتَضِي الِامْتِنَاعَ مِنْ الْكُلِّ، وَمَتَى فَعَلَ الْبَعْضَ، فَمَا امْتَنَعَ مِنْ الْكُلِّ، فَحَنِثَ لِذَلِكَ. وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا، تَعْلِيقُ الْحُرِّيَّةِ عَلَى أَدَاءِ الْأَلْفِ، يَقْتَضِي وُجُودَ أَدَائِهَا، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا دُون أَدَائِهَا، كَمَنْ حَلَفَ لَيُؤَدِّيَنَّ أَلْفًا، لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا.
الْخَامِسُ، أَنَّ مَوْضُوعَ الشَّرْطِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْمَشْرُوطُ بِدُونِ شَرْطِهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» فَلَوْ قَالَ بَعْضَهَا مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا الْعُقُوبَةَ. وَقَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً، فَهِيَ لَهُ» فَلَوْ شَرَعَ فِي الْإِحْيَاءِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ. وَلَوْ قَالَ فِي الْمُسَابَقَةِ: مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ، فَهُوَ سَابِقٌ. فَسَبَقَ إلَى أَرْبَعٍ، لَمْ يَكُنْ سَابِقًا. وَلَوْ قَالَ: مَنْ رَدَّ ضَالَّتِي، فَلَهُ دِينَارٌ. فَشَرَعَ فِي رَدِّهَا، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. فَكَيْفَ يُخَالِفُ مَوْضُوعَاتِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي جَاءَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي الْأَيْمَانِ، فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى التَّرْكِ يُقْصَدُ بِهَا الْمَنْعُ، فَنَزَلَتْ مَنْزِلَةَ النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ بَعْضِهِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ]
الْقَسَم الثَّانِي، صِفَةٌ جَمَعَتْ مُعَاوَضَةً، وَصِفَةٌ الْمُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ، وَهِيَ الْكِتَابَةُ الصَّحِيحَةُ، فَهِيَ مُسَاوِيَةٌ لِلصِّفَةِ الْمَحْضَةِ فِي الْعِتْقِ بِوُجُودِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ، وَتُخَالِفُهَا فِي أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأْهُ السَّيِّدُ مِنْ الْمَالِ مِنْهُ وَعَتَقَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ بِهِ فَبَرِئَ مِنْهُ بِإِبْرَائِهِ، كَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلَا يَنْفَسِخُ ب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute