فَأَمَّا فِي النِّكَاحِ فَلْيَنْكِحْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ يُكَافِئُهُمْ؛ لِهَذَا الْخَبَرِ، «وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَوَّجَ زَيْدًا وَأُسَامَةَ عَرَبِيَّتَيْنِ» وَلِأَنَّ مَوَالِيَ بَنِي هَاشِمٍ سَاوُوهُمْ فِي حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ، فَيُسَاوُونَهُمْ فِي الْكَفَاءَةِ
وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَوَالِي أَكْفَاءَ لِلْعَرَبِ، فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا كَانَ كُفْءَ سَيِّدِهِ كَانَ كُفُؤًا لِمَنْ يُكَافِئُهُ سَيِّدُهُ، فَيَبْطُلُ اعْتِبَارُ الْمَنْصِبِ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّدَقَةِ، لَا فِي النِّكَاحِ. وَلِهَذَا لَا يُسَاوُونَهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْخُمُسِ، وَلَا فِي الْإِمَامَةِ، وَلَا فِي الشَّرَفِ. وَأَمَّا زَيْدٌ وَأُسَامَةُ، فَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِنِكَاحِهِمَا عَرَبِيَّتَيْنِ عَلَى أَنَّ فَقْدَ الْكَفَاءَةِ لَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَاعْتَذَرَ أَحْمَدُ عَنْ تَزْوِيجِهِمَا، بِأَنَّهُمَا عَرَبِيَّانِ، فَإِنَّهُمَا مِنْ كَلْبٍ، وَإِنَّمَا طَرَأَ عَلَيْهِمَا رِقٌّ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا حُكْمَ كُلِّ عَرَبِيِّ الْأَصْلِ.
[فَصْلٌ لَا يُزَوِّجُ بِنْتَه مِنْ حَرُورِيٍّ مَرَقَ مِنْ الدِّينِ وَلَا مِنْ الرَّافِضِيِّ وَلَا مِنْ الْقَدَرِيِّ]
(٥١٩٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ، فَإِنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُزَوِّجُ الْجَهْمِيُّ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ إذَا زَوَّجَ الْوَاقِفِيّ، إذَا كَانَ يُخَاصِمُ وَيَدْعُو، وَإِذَا زَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّفْظِيَّةِ، وَقَدْ كَتَبَ الْحَدِيثَ، فَهَذَا شَرٌّ مِنْ جَهْمِي، يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ: لَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ مِنْ حَرُورِيٍّ مَرَقَ مِنْ الدِّينِ، وَلَا مِنْ الرَّافِضِيِّ، وَلَا مِنْ الْقَدَرِيِّ، فَإِذَا كَانَ لَا يَدْعُو فَلَا بَأْسَ. وَقَالَ: مَنْ لَمْ يُرَبِّعْ بِعَلِيِّ فِي الْخِلَافَةِ، فَلَا تُنَاكِحُوهُ، وَلَا تُكَلِّمُوهُ. قَالَ الْقَاضِي: الْمُقَلِّدُ مِنْهُمْ يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ، وَمَنْ كَانَ دَاعِيَةً مِنْهُمْ فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ.
[فَصْلِ الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاح مُعْتَبَرَةٌ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ]
(٥١٩٩) فَصْلٌ: وَالْكَفَاءَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مُكَافِئَ لَهُ، وَقَدْ تَزَوَّجَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَتَزَوَّجَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ، وَتَسَرَّى بِالْإِمَاءِ، وَقَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ جَارِيَةٌ، فَعَلَّمَهَا، وَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَحْسَنَ إلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ، لَا بِأُمِّهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ فِي الْأُمِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute