أَحْمَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْمَهْرِ الَّذِي أَصْدَقَهَا الثَّانِي؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْبُضْعِ مِنْ جِهَتِهِ، وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ، وَالْبُضْعُ لَا يَتَقَوَّمُ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَوْ مَنْ جَرَى مَجْرَاهُ، فَيَجِبُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالْمُسَمَّى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ؛ وَهَلْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ الثَّانِي عَلَى الزَّوْجَةِ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ: إحْدَاهُمَا، يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا غَرَامَةٌ لَزِمَتْ الزَّوْجَ بِسَبَبِ وَطْئِهِ لَهَا، فَرَجَعَ بِهَا، كَالْمَغْرُورِ. وَالثَّانِيَةُ لَا يَرْجِعُ بِهَا. وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَقْضُوا بِالرُّجُوعِ، فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى، أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَضَيَا فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَدْرِي مَا مَهْلِكُ زَوْجِهَا، أَنْ تَرَبَّصَ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَزَوَّجُ إنْ بَدَا لَهَا، فَإِنْ جَاءَ زَوْجُهَا خُيِّرَ؛ إمَّا امْرَأَتَهُ، وَإِمَّا الصَّدَاقَ، فَإِنْ اخْتَارَ الصَّدَاقَ، فَالصَّدَاقُ عَلَى زَوْجِهَا الْآخَرِ، وَتَثْبُتُ عِنْدَهُ، وَإِنْ اخْتَارَ امْرَأَتَهُ، عُزِلَتْ عَنْ زَوْجِهَا الْآخَرِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قَدِمَ زَوْجُهَا وَقَدْ تُوُفِّيَ زَوْجُهَا الْآخَرُ، وَرِثَتْ، وَاعْتَدَّتْ عِدَّةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَتَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ. رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ.
وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْرِيرَ مِنْهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، كَغَيْرِهَا. فَإِنْ قُلْنَا: يَرْجِعُ عَلَيْهَا. فَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا الصَّدَاقَ، رَجَعَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا، دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ بَعْضُهُ، رَجَعَ بِمَا دَفَعَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا. وَكَانَ قَدْ دَفَعَ إلَيْهَا الصَّدَاقَ، لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ إلَيْهَا، لَزِمَهُ دَفْعُهُ وَيَدْفَعُ إلَى الْأَوَّلِ صَدَاقًا آخَرَ.
[فَصْل اخْتَارَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ الْمُقَامَ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ]
(٦٣٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَارَتْ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ الْمُقَامَ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ؛ فَلَهَا النَّفَقَةُ مَا دَامَ حَيًّا، وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحْكُومٌ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، كَمَا لَوْ عَلِمَتْ حَيَاتَهُ. فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا، وَقِدَمَ، فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ، أَوْ فَارَقَهَا، فَلَهَا النَّفَقَةُ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ أَوْ بَيْنُونَتِهَا مِنْهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا أَنْفَقَتْ مَالَ غَيْرِهِ، أَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ. وَإِنْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَضَرَبَ لَهَا مُدَّةً، فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِبَيْنُونَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَهِيَ مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ، فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ الْمُدَّةِ.
وَأَمَّا مُدَّةُ الْعِدَّةِ، فَلِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَيَقِّنَةٍ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، فَإِنَّ مَوْتَهُ مُتَيَقَّنٌ، وَمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا بِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ نِكَاحِهِ، وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجَ وَلَا فَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، فَنَفَقَتُهَا بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ نِكَاحِهِ. وَإِنْ قَدِمَ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَرُدَّتْ إلَيْهِ، عَادَتْ نَفَقَتُهَا مِنْ حِينِ الرَّدِّ. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، وَالْجُوزَجَانِيُّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَا: تَنْتَظِرُ امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَ سِنِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute