يَسِيرًا فَجَائِزٌ. فَعَلَى هَذَا مَتَى ظَهَرَتْ عَوْرَتُهُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ لِكَوْنِ جَيْبِ الْقَمِيصِ ضَيِّقًا، أَوْ شَدَّ وَسَطَهُ بِمِئْزَرٍ أَوْ حَبْلٍ فَوْقَ الثَّوْبِ، أَوْ كَانَ ذَا لِحْيَةٍ تَسُدُّ الْجَيْبَ فَتَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ، أَوْ شَدَّ إزَارَهُ، أَوْ أَلْقَى عَلَى جَيْبِهِ رِدَاءً أَوْ خِرْقَةً، فَاسْتَتَرَتْ عَوْرَتُهُ، أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاة]
(٨١٣) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، فِيمَا يُكْرَهُ؛ يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبٍ لَيْسَ بَيْنَ فَرْجِهِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ.» وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هُوَ أَنْ يَضْطَبِعَ بِالثَّوْبِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَمَعْنَى، الِاضْطِبَاعِ: أَنْ يَضَعَ وَسَطَ الرِّدَاءِ تَحْتِ عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَجْعَلَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ، وَيَبْقَى مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا، وَرَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ فِي اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ: أَنْ يَضْطَبِعَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ وَلَا إزَارَ عَلَيْهِ. فَيَبْدُوَ مِنْهُ شِقُّهُ وَعَوْرَتُهُ، أَمَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَتِلْكَ لِبْسَةُ الْمُحْرِمِ، فَلَوْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ ثَوْبًا وَاحِدًا، يَأْخُذُ بِجَوَانِبِهِ عَنْ مَنْكِبِهِ، فَيُدْعَى تِلْكَ الصَّمَّاءَ.» وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ يُخْرِجَ يَدَيْهِ مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ، فَتَبْدُوَ عَوْرَتُهُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، عِنْدَ الْعَرَبِ: أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ، يُجَلِّلُ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ، وَلَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ. كَأَنَّهُ يَذْهَبُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَعَلَّهُ يُصِيبُهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ. فَلَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ.
وَتَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ، أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ، فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَيَبْدُوَ مِنْهُ فَرْجُهُ، وَالْفُقَهَاءُ أَعْلَمُ بِالتَّأْوِيلِ. فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، وَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ مَعَهُ. وَيُكْرَهُ السَّدْلُ. وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَلَا يَرُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهِ عَلَى الْكَتِفِ الْأُخْرَى، وَلَا يَضُمَّ الطَّرَفَيْنِ بِيَدَيْهِ. وَكَرِهَ السَّدْلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ الرُّخْصَةُ فِيهِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا يَسْدُلَانِ فَوْقَ قَمِيصِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا يَثْبُتُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ. ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا. وَيُكْرَهُ إسْبَالُ الْقَمِيصِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَفْعِ الْإِزَارِ. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخُيَلَاءِ حَرُمَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute