تَعَالَى، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» .
وَقَوْلِهِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . (٢٧٣١) فَصْلٌ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " إنْ قَدَرَ عَلَى إيصَالِهِ إلَيْهِمْ ". يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ إيصَالِهِ لَا يَلْزَمُهُ إيصَالُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. فَإِنْ مُنِعَ النَّاذِرُ الْوُصُولَ بِنَفْسِهِ، وَأَمْكَنَهُ تَنْفِيذُهُ، لَزِمَهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إذَا حُصِرَ عَنْ الْخُرُوجِ خُرِّجَ فِي ذَبْحِ هَذَا الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ رِوَايَتَانِ، كَدِمَاءِ الْحَجِّ وَاخْتَارَ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ ذَبْحِهِ فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ هَدْيَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَالثَّانِيَةُ، إنَّ أَمْكَنَ إرْسَالُهُ مَعَ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَبْحُهُ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ إيصَالُ الْمَنْذُورِ إلَى مَحِلِّهِ، فَلَزِمَهُ، كَغَيْرِ الْمَحْصُورِ.
[مَسْأَلَةٌ مَكَانُ صِيَامِ التَّمَتُّعِ]
(٢٧٣٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَأَمَّا الصِّيَامُ فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَان) لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَغَيْرُهُمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّيَامَ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ، فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِمَكَانٍ، بِخِلَافِ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ، فَإِنَّ نَفْعَهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ يُعْطَاهُ.
[فَصْلٌ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ]
(٢٧٣٣) فَصْلٌ: وَيُسَنُّ تَقْلِيدُ الْهَدْيِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ فِي أَعْنَاقِهَا النِّعَالَ، وَآذَانَ الْقِرَبِ، وَعُرَاهَا، أَوْ عَلَاقَةَ إدَاوَةٍ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ إبِلًا، أَوْ بَقَرًا، أَوْ غَنَمًا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسَنُّ تَقْلِيدُ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سُنَّةً لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ فِي الْإِبِلِ.
وَلَنَا، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْت أَفْتِلُ الْقَلَائِدَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُقَلِّدَ الْغَنَمَ، وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلَالًا.» وَفِي لَفْظٍ: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ هَدْيٌ، فَيُسَنُّ تَقْلِيدُهُ كَالْإِبِلِ، وَلِأَنَّهُ إذَا سُنَّ تَقْلِيدُ الْإِبِلِ مَعَ إمْكَانِ تَعْرِيفِهَا بِالْأَشْعَارِ، فَالْغَنَمُ، أَوْلَى، وَلَيْسَ التَّسَاوِي فِي النَّقْلِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ يُهْدِي الْإِبِلَ أَكْثَرِ، فَكَثُرَ نَقْلُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute