الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنْ أَذِنَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ لِلضَّامِنِ الثَّانِي فِي الضَّمَانِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الضَّامِنُ الْأَوَّلُ، رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الضَّامِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرْجَعُ عَلَى مَنْ أَذِنَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ.
[فَصْلٌ لَهُ أَلْف عَلَى رَجُلَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ]
(٣٥٨٨) فَصْلٌ: إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ عَلَى رَجُلَيْنِ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ، فَأَبْرَأَ الْغَرِيمُ أَحَدَهُمَا مِنْ الْأَلْفِ، بَرِئَ مِنْهُ، وَبَرِئَ صَاحِبُهُ مِنْ ضَمَانِهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ. وَإِنْ قَضَاهُ أَحَدُهُمَا خَمْسَمِائَةٍ، أَوْ أَبْرَأْهُ الْغَرِيمُ مِنْهَا، وَعَيَّنَ الْقَضَاءَ بِلَفْظِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَنْ الْأَصْلِ وَالضَّمَانِ، انْصَرَفَ إلَيْهِ.
وَإِنْ أَطْلَقَ، احْتَمَلَ أَنَّ لَهُ صَرْفَهَا إلَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا، كَمَنْ أَخْرَجَ زَكَاةَ نِصَابٍ وَلَهُ نِصَابَانِ غَائِبٌ وَحَاضِرٌ، كَانَ لَهُ صَرْفُهَا إلَى مَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَنْ الْأَصْلِ، وَنِصْفُهَا عَنْ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى جُمْلَةِ مَا فِي ذِمَّتِهِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ لَفْظُ الْقَاضِي وَنِيَّتُهُ، وَفِي الْإِبْرَاءِ لَفْظُ الْمُبْرِئِ وَنِيَّتُهُ، وَمَتَى اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ الْمُعْتَبَرُ لَفْظُهُ وَنِيَّتُهُ.
[فَصْل ادَّعَى أَلْفًا عَلَى حَاضِرٍ وَغَائِبٍ]
(٣٥٨٩) فَصْل: وَلَوْ ادَّعَى أَلْفًا عَلَى حَاضِرٍ وَغَائِبٍ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ، فَاعْتَرَفَ الْحَاضِرُ بِذَلِكَ، فَلَهُ أَخْذُ الْأَلْفِ مِنْهُ، فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَاعْتَرَفَ، رَجَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِنِصْفِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحَاضِرُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَاسْتَوْفَى الْأَلْفَ مِنْهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمُدَّعِي ظَلَمَهُ. وَإِنْ اعْتَرَفَ الْغَائِبُ وَعَادَ الْحَاضِرُ عَنْ إنْكَارِهِ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا يَعْتَرِفُ لَهُ بِهِ، فَكَانَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَى الْحَاضِرِ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ وَبَرِئَ، فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ فَأَنْكَرَ أَيْضًا وَحَلَفَ، بَرِئَ، وَإِنْ اعْتَرَفَ، لَزِمَهُ دَفْعُ الْأَلْفِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا خَمْسُ الْمِائَةِ الْأَصْلِيَّةِ دُونَ الْمَضْمُونَةِ؛ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِيَمِينِهِ، فَتَسْقُطُ عَنْ ضَامِنِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ يَعْتَرِفُ بِهَا وَغَرِيمُهُ يَدَّعِيهَا، وَالْيَمِينُ إنَّمَا أَسْقَطَتْ الْمُطَالَبَةَ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ تُسْقِطْ عَنْهُ الْحَقَّ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بَعْدَ يَمِينِهِ، لَزِمَهُ، وَلَزِمَ الضَّامِنَ.
[فَصْلٌ ادَّعَى الضَّامِنُ أَنَّهُ قَضَى الدَّيْنَ]
(٣٥٩٠) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى الضَّامِنُ أَنَّهُ قَضَى الدَّيْنَ، فَأَنْكَرَ الْمَضْمُونُ لَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَضْمُونِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى تَسْلِيمَ الْمَالِ إلَى مَنْ لَمْ يَأْمَنْهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ، فَهَلْ يَرْجِعُ الضَّامِنُ بِمَا قَضَاهُ عَنْهُ؟ نَظَرْنَا؛ فَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ لَهُ بِالْقَضَاءِ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْقَضَاءِ، وَكَانَ قَدْ قَضَى بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فِي غَيْبَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ، سَوَاءٌ صَدَّقَهُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ أَوْ كَذَّبَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَضَاءٍ مُبَرِّئٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِنْ قَضَاهُ بِبَيِّنَةٍ، ثَبَتَ بِهَا الْحَقُّ، لَكِنْ إنْ كَانَتْ مَيْتَةً أَوْ غَائِبَةً فَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute