وَلَا مَا يُؤْذِي غَيْرَهُ، كَالرُّمْحِ إذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَاشِيَةِ لَمْ يُكْرَهْ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ نَجَسٍ، وَلَا مَا يُخِلُّ بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، مِثْلُ أَنْ يَخَافَ وُقُوعَ الْحِجَارَةِ أَوْ السِّهَامِ بِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ حَمْلُهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يَجِبُ حَمْلُ السِّلَاحِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ شَرْطًا فِي الصَّلَاةِ كَالسُّتْرَةِ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَهَى عَنْ الْوِصَالِ رِفْقًا بِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، وَبِهِ قَالَ دَاوُد، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَالْحُجَّةُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَقَدْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْإِيجَابِ بِهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: ١٠٢] .
وَنَفْيُ الْحَرَجِ مَشْرُوطًا بِالْأَذَى دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ بِهِمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، بِتَصْرِيحِ النَّصِّ بِنَفْيِ الْحَرَجِ فِيهِ.
[فَصْل يُصَلِّي صَلَاة الْخَوْف عَلَى كُلّ صِفَة صَلَّاهَا رَسُول اللَّه]
. (١٤٥٣) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى كُلِّ صِفَةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ. وَقَالَ: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٌ يُرْوَى فِيهَا، كُلُّهَا جَائِزٌ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا.
قَالَ: أَنَا أَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلَّهَا فَحَسَنٌ، وَأَمَّا حَدِيث سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَذْكُرُ الْوُجُوهَ الَّتِي بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا، مَا ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ حَدِيثُ سَهْلٍ. وَالثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالثَّالِثُ، صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ. فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ. فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً لَوْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاةِ. فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. فَلَمَّا حَضَرَتْ الْعَصْرُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالْمُشْرِكُونَ أَمَامَهُ، فَصَفَّ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَفٌّ، وَصَفَّ خَلْفَ ذَلِكَ الصَّفِّ صَفٌّ آخَرُ، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَكَعُوا جَمِيعًا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ، فَلَمَّا صَلَّى بِهَؤُلَاءِ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامُوا، سَجَدَ الْآخَرُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute