قَالَ: انْبَسِطُوا بِهَا، وَلَا تَدِبُّوا دَبِيبَ الْيَهُودِ بِجَنَائِزِهَا» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ ". وَاخْتَلَفُوا فِي الْإِسْرَاعِ الْمُسْتَحَبِّ، فَقَالَ الْقَاضِي: الْمُسْتَحَبُّ إسْرَاعٌ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَخُبُّ، وَيَرْمُلُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: «كُنَّا فِي جِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا، فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرٍ؛ فَرَفَعَ سَوْطَهُ، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَرْمُلُ رَمْلًا» .
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ تَمْخُضُ مَخْضًا، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ فِي جَنَائِزِكُمْ» . مِنْ " الْمُسْنَدِ ". وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «سَأَلْنَا نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمَشْيِ بِالْجِنَازَةِ. فَقَالَ: مَا دُونَ الْخَبَبِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: يَرْوِيهِ أَبُو مَاجِدٍ، وَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «انْبَسِطُوا بِهَا، وَلَا تَدِبُّوا دَبِيبَ الْيَهُودِ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إسْرَاعٌ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ شِبْهِ مَشْيِ الْيَهُودِ بِجَنَائِزِهِمْ، وَلِأَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْإِسْرَاعِ يَمْخُضُهَا، وَيُؤْذِي حَامِلِيهَا وَمُتَّبِعِيهَا، وَلَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَيِّتِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي جِنَازَةِ مَيْمُونَةَ: لَا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهَا أُمُّكُمْ.
[فَصْلٌ اتِّبَاع الْجَنَائِز]
(١٥٣٤) فَصْلٌ: وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ سُنَّةٌ. قَالَ الْبَرَاءُ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ» . وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إذَا صَلَّيْت فَقَدْ قَضَيْت الَّذِي عَلَيْك.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: رَأَيْت أَحْمَدَ مَا لَا أُحْصِي صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ، وَلَمْ يَتْبَعْهَا إلَى الْقَبْرِ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ. الثَّانِي، أَنْ يَتْبَعَهَا إلَى الْقَبْرِ، ثُمَّ يَقِفَ حَتَّى تُدْفَنَ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. الثَّالِثُ، أَنْ يَقِفَ بَعْدَ الدَّفْنِ، فَيَسْتَغْفِرَ لَهُ، وَيَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ، وَيَدْعُوَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا دَفَنَ مَيِّتًا وَقَفَ، وَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لَهُ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ؛ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عِنْدَهُ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتَهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute