وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُمْ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا بَعْضَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ، فَلَزِمَهُمْ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ أَدْرَكُوا بَعْضَ وَقْتِ الصَّلَاةِ.
[مَسْأَلَةُ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ كَانَ طَلَعَ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ أَكَلَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ، وَقَدْ كَانَ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، وَلَمْ تَغِبْ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ. وَحُكِيَ عَنْ عُرْوَةَ، وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنْت جَالِسًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ، فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأُتِينَا بِعِسَاسٍ فِيهَا شَرَابٌ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَشَرِبْنَا، وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ انْكَشَفَ السَّحَابُ، فَإِذَا الشَّمْسُ طَالِعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: نَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَا نَقْضِيه، مَا تَجَانَفْنَا لَإِثْمٍ. وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَكْلَ فِي الصَّوْمِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ، كَالنَّاسِي.
وَلَنَا أَنَّهُ أَكَلَ مُخْتَارًا، ذَاكِرًا لِلصَّوْمِ، فَأَفْطَرَ، كَمَا لَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكَّ، وَلِأَنَّهُ جَهْلٌ بِوَقْتِ الصِّيَامِ، فَلَمْ يُعْذَرْ بِهِ، كَالْجَهْلِ بِأَوَّلِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَشْبَهَ أَكْلَ الْعَامِدِ، وَفَارَقَ النَّاسِيَ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ. وَأَمَّا الْخَبَرُ، فَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَنْ أَكَلَ فَلْيَقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي (الْمُوَطَّأِ) ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ. يَعْنِي خِفَّةَ الْقَضَاءِ. وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. عَنْ فَاطِمَةَ امْرَأَتِهِ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: «أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. قِيلَ لِهِشَامٍ: أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ؟» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
[فَصْلُ أَكَلَ الصَّائِم شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ]
(٢٠٧٦) فَصْلٌ: وَإِنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْأَمْرَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَلَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَ الْفَجْرِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْي. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنِ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ مَالِكٌ؛ يَجِبُ الْقَضَاءُ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute