للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَفْرٌ) .

وَلَوْ حُرِّمَ الْجَمْعُ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ، إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلَا يُقِرُّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخَطَأِ. وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ يُتِمُّ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ أَهْلًا، وَلَمْ يَتْرُكْ الْجَمْعَ. وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنُ الزُّبَيْرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُعَلِّمُنَا الْمَنَاسِكَ. فَذَكَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَفَاضَ، فَلَا صَلَاةَ إلَّا بِجَمْعٍ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالِيَ مَكَّةَ، فَخَرَجَ فَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ خِلَافٌ فِي الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، بَلْ وَافَقَ عَلَيْهِ مَنْ لَا يَرَى الْجَمْعَ فِي غَيْرِهِ، وَالْحَقُّ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى غَيْرِهِ.

[فَصْل قَصْرُ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ]

(٢٥٠٩) فَصْلٌ: فَأَمَّا قَصْرُ الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَبِهَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَهُمْ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّ لَهُمْ الْجَمْعَ، فَكَانَ لَهُمْ الْقَصْرُ كَغَيْرِهِمْ.

وَلَنَا، أَنَّهُمْ فِي غَيْرِ سَفَرٍ بَعِيدٍ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْقَصْرُ كَغَيْرِ مَنْ فِي عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَرَجُلٌ أَقَامَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْحَجِّ؟ قَالَ: إنْ كَانَ لَا يُرِيدُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ إذَا رَجَعَ صَلَّى ثَمَّ رَكْعَتَيْنِ. وَذَكَر فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: لِأَنَّ خُرُوجَهُ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ ابْتِدَاءُ سَفَرٍ، فَإِنْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ، فَيُقِيمَ بِمَكَّةَ، أَتَمَّ بِمِنًى وَعَرَفَةَ.

[مَسْأَلَة يُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ]

(٢٥١٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يَصِيرُ إلَى مَوْقِفِ عَرَفَةَ عِنْدَ الْجَبَلِ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَيَرْفَعُ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ فِيهِ) يَعْنِي إذَا صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ، صَارَ إلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْوُقُوفِ، كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَفْعَلُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهَا مَجْمَعٌ لِلنَّاسِ، فَاسْتُحِبَّ الِاغْتِسَالُ لَهَا، كَالْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ. وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «قَدْ وَقَفْت هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ شَيْبَانَ، قَالَ: أَتَانَا ابْنُ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَنَحْنُ بِعَرَفَةَ فِي مَكَان يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو عَنْ الْإِمَامِ، فَقَالَ: إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْكُمْ، يَقُولُ: (كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إرْثٍ مِنْ إرْثِ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ) . وَحَدُّ عَرَفَةَ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ إلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ. وَلَيْسَ وَادِي عُرَنَةَ مِنْ الْمَوْقِفِ، وَلَا يُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهِ لَا يُجْزِئُهُ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ يُهْرِيقُ دَمًا، وَحَجُّهُ تَامٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>