للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ، وَقَالَ: اسْتَأْجَرْتهَا. أَوْ بِثَوْبٍ وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَّرَهُ، أَوْ خَاطَهُ بِأَجْرٍ يَلْزَمُ الْمُقَرَّ لَهُ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا، فَلَا يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَهُ، وَلِي سُكْنَاهَا سَنَةً.

[فَصْلٌ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ]

(٣٨٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ أَقْبِضْهُ. فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ، وَلَا شَيْءَ لَك عِنْدِي. فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ لَهُ بِالْأَلْفِ، وَادَّعَى عَلَيْهِ مَبِيعًا، فَأَشْبَهَ مَا إذَا قَالَ: هَذَا رَهْنٌ. فَقَالَ الْمَالِكُ: وَدِيعَةٌ. أَوْ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلِي عِنْدَهُ مَبِيعٌ لَمْ أَقْبِضْهُ. وَالثَّانِي، الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ.

قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ فِي مُقَابَلَةِ حَقٍّ لَهُ، وَلَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَالَهُ، لَمْ يُسَلِّمْ لِلْمُقَرِّ لَهُ مَا عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ. قَالَ: بَلْ مَلَّكْتنِيهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ. وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: عِنْدِي رَهْنٌ. فَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ وَدِيعَةٌ؛ لِأَنَّ الدَّيْنُ يَنْفَكُّ عَنْ الرَّهْنِ.

وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: بِعْتُك نَفْسَك بِأَلْفٍ. فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ. عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَنْفَكُّ عَنْ الثَّمَنِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَقْبِضْهُ مُنْفَصِلًا أَوْ مُتَّصِلًا.

فَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ. ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَقْبِضْهُ. فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ تَعَلَّقَ بِالْمَبِيعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَبْضِ، فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ. فَأَمَّا إنْ قَالَ: عَلَيَّ أَلْفٌ. ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ. لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِمَا يُسْقِطُ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ بِكَلَامٍ مُنْفَصِلٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَمْ يُقْبَلْ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ. ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: مُؤَجَّلٌ.

[فَصْلٌ قَالَ بِعْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ قَالَ بَلْ زَوَّجْتنِيهَا]

(٣٨٧٥) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: بِعْتُك جَارِيَتِي هَذِهِ. قَالَ: بَلْ زَوَّجْتنِيهَا. فَلَا يَخْلُو؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الِاسْتِيلَادِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اعْتِرَافِ الْبَائِعِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، فَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا لِمُدَّعِي الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَيَدَّعِي حِلَّهَا لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَيَثْبُتُ الْحِلُّ؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا تُرَدُّ إلَى الْبَائِعِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهَا.

وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَبَعْدَ الِاسْتِيلَادِ، فَالْبَائِعُ يُقِرُّ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَوَلَدُهَا حُرٌّ، وَأَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهُ، وَيَدَّعِي الثَّمَنَ، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ؛ لِإِقْرَارِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِلْكُهُ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَا تُرَدُّ الْأَمَةُ إلَى الْبَائِعِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ، وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَا اشْتَرَاهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ ثَمَنُهَا إلَّا قَدْرَ الْمَهْرِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>