للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّافِعِيُّ، مَعَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هَاهُنَا عَلَى الْحَاضِرِ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ، وَاسْتِحْقَاقِ انْتِزَاعِ الشِّقْصِ مِنْ يَدِهِ، وَحَصَلَ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ ضِمْنًا. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَطَالَبَ الشَّفِيعُ بِيَمِينِهِ، فَنَكَلَ عَنْهَا، احْتَمَلَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَقُضِيَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ.

وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَا إقْرَارِ مَنْ الشِّقْصُ فِي يَدِهِ.

[فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شُفْعَةً فِي شِقْصٍ اشْتَرَاهُ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ فِي شَرِكَتِي]

(٤٠٦٦) فَصْلٌ: وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شُفْعَةً فِي شِقْصٍ اشْتَرَاهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ فِي شَرِكَتِي. فَعَلَى الشَّفِيعِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ شَرِيكٌ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ، اسْتَحَقَّ بِهِ الشُّفْعَةَ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ.

وَلَنَا، أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْيَدِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الشُّفْعَةَ، لَمْ تَثْبُتْ، وَمُجَرَّدُ الظَّاهِرِ لَا يَكْفِي، كَمَا لَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ فِي يَدِهِ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْلَمُ أَنَّهُ شَرِيكٌ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي الْيَمِينُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ، فَكَانَ عَلَى الْعِلْمِ، كَالْيَمِينِ عَلَى نَفْيِ دَيْنِ الْمَيِّتِ.

فَإِذَا حَلَفَ، سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَلَ، قُضِيَ عَلَيْهِ.

[فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ أَنَّك اشْتَرَيْت نَصِيبَك مِنْ عَمْرو فَلِي شُفْعَتُهُ]

(٤٠٦٧) فَصْلٌ: إذَا ادَّعَى عَلَى شَرِيكِهِ، أَنَّك اشْتَرَيْت نَصِيبَك مِنْ عَمْرٍو، فَلِي شُفْعَتُهُ. فَصَدَّقَهُ عَمْرٌو، فَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ، وَقَالَ: بَلْ وَرِثْته مِنْ أَبِي. فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ عَمْرٍو، لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ بِذَلِكَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَثْبُتُ، وَيُقَالُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَدْفَعَهُ وَتَأْخُذَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ إلَى الْبَائِعِ، فَيَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْمِلْكِ لِعَمْرٍو، فَكَأَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ.

وَلَنَا، أَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِالْبَيْعِ، وَإِقْرَارُ عَمْرٍو عَلَى الْمُنْكِرِ بِالْبَيْعِ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي حَقِّهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ الشُّفْعَةُ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، فَيُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الْبَائِعِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ أَنِّي مَا اشْتَرَيْت الدَّارَ، فَقَالَ مَنْ كَانَتْ الدَّارُ مِلْكًا لَهُ: أَنَا بِعْته إيَّاهَا. لَمْ يُقْبَلْ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ، وَالشِّقْصُ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ مُقِرٌّ بِهَا لِلشَّفِيعِ، وَلَا مُنَازَعَ لَهُ فِيهَا سِوَاهُ، وَهَا هُنَا مَنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ يَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ، وَالْمُقِرُّ بِالْبَيْعِ لَا شَيْءَ فِي يَدِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِ الشِّقْصِ، فَافْتَرَقَا.

[فَصْلٌ دَارٌ بَيْن رَجُلَيْنِ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا فِي يَدَيْهِ بِالشُّفْعَةِ]

(٤٠٦٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا فِي يَدَيْهِ بِالشُّفْعَةِ، سَأَلْنَاهُمَا: مَتَى مَلَكْتُمَاهَا؟ فَإِنْ قَالَا: مَلَكْنَاهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً. فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِمِلْكٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>