وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا، وَلِهَذَا يُقَالُ: مَا دَخَلْت الْبَيْتَ، إنَّمَا وَقَفْت فِي الصَّحْنِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ، فَرَكِبَ سَفِينَةً، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ رُكُوبٌ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: {ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا} [هود: ٤١] . وَقَالَ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: ٦٥] . الضَّرْبُ الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَامًّا، لَكِنْ أَضَافَ إلَيْهِ فِعْلًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، إلَّا فِي بَعْضِهِ، أَوْ اُشْتُهِرَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ رَأْسًا، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ رَأْسِ كُلِّ حَيَوَانٍ مِنْ النَّعَمِ وَالصَّيُودِ وَالطُّيُورِ وَالْحِيتَانِ وَالْجَرَادِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَيْعِهِ لِلْأَكْلِ مُنْفَرِدًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رُءُوسِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ تَكْثُرُ فِيهِ الصَّيُودُ، وَتُمَيَّزُ رُءُوسُهَا، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ رُءُوسِ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِبَيْعِهَا مُفْرَدَةً. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ رُءُوسِ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ دُونَ غَيْرِهَا، فَيَمِينُهُ تَنْصَرِفُ إلَيْهَا.
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ هَذِهِ رُءُوسٌ - حَقِيقَةً وَعُرْفًا - مَأْكُولَةٌ، فَحَنِثَ بِأَكْلِهَا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ النَّعَامِ وَالزَّرَافَةِ، وَمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ وَبَيْعُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ بَيْضِ كُلِّ حَيَوَانٍ، سَوَاءٌ كُثْرَ وُجُودُهُ، كَبَيْضِ الدَّجَاجِ، أَوْ قَلَّ وُجُودُهُ كَبَيْضِ النَّعَامِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَيْضِ النَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضِ الدَّجَاجِ، وَمَا يُبَاعُ فِي السُّوقِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بَيْضٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، وَهُوَ مَأْكُولٌ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، كَبَيْضِ الدَّجَاجِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، فَشَرِبَ مَاءَ الْبَحْرِ، أَوْ مَاءً نَجِسًا، أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا، فَأَكَلَ الْأُرْزَ أَوْ الذُّرَةَ، فِي مَكَان لَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ فِيهِ، حَنِثَ.
فَأَمَّا إنْ أَكَلَ بَيْضَ السَّمَكِ أَوْ الْجَرَادِ، فَقَالَ الْقَاضِي: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ بَيْضُ حَيَوَانٍ، أَشْبَهَ بَيْضَ النَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ بَيْضٍ يُزَايَلُ بَائِضُهُ فِي الْحَيَاةِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَيْضِ، وَلَا يُذْكَرُ إلَّا مُضَافًا إلَى بَائِضِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ يُسَمَّى بَيْضًا غَيْرَ بَيْضِ الْحَيَوَانِ، وَلَا بِأَكْلِ شَيْءٍ يُسَمَّى رَأْسًا غَيْرَ رُءُوسِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَأْسٍ وَلَا بِيضٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَلَا يَأْكُل سَوِيقًا فَشَرَّبَهُ أَوْ لَا يُشْرِبهُ فَأَكَلَهُ]
(٨١٥٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ سَوِيقًا، فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبَهُ، فَأَكَلَهُ، حَنِثَ، إلَّا أَنْ تَكُونُ لَهُ نِيَّةٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا، فَشَرِبَهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ، فَأَكَلَهُ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، مَا يَدُلُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute