وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يَصِحُّ وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ، وَأَنَّ الْقَبْضَ لَا يَصِحُّ فِي الْمَشَاعِ. وَلَنَا
، أَنَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ أَصَابَ مِائَةَ سَهْمٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا، فَأَمَرَهُ بِوَقْفِهَا.» وَهَذَا صِفَةُ الْمَشَاعِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ عَلَى بَعْضِ الْجُمْلَةِ مُفْرَزًا فَجَازَ عَلَيْهِ مَشَاعًا، كَالْبَيْعِ، أَوْ عَرْصَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، فَجَازَ وَقْفُهَا، كَالْمُفْرَزَةِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ، وَهَذَا يَحْصُلُ فِي الْمَشَاعِ، كَحُصُولِهِ فِي الْمُفْرَزِ، وَلَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الْقَبْضِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا فَإِذَا صَحَّ فِي الْبَيْعِ صَحَّ فِي الْوَقْفِ.
[فَصْلٌ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ]
(٤٤٣١) فَصْلٌ: وَإِنْ وَقَفَ دَارِهِ عَلَى جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، مِثْلُ أَنْ يَقِفَهَا عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى الْمَسَاكِينِ، نِصْفَيْنِ، أَوْ أَثْلَاثًا، أَوْ كَيْفَمَا كَانَ جَازَ. وَسَوَاءٌ جَعَلَ مَآلَ الْمَوْقُوفِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَعَلَى الْمَسَاكِينِ، أَوْ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى سِوَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ وَقْفُ الْجُزْءِ مُفْرَدًا، جَازَ وَقْفُ الْجُزْأَيْنِ. وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ، فَقَالَ: أَوْقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى أَوْلَادِي، وَعَلَى الْمَسَاكِينِ. فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، وَلَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ إلَّا بِالتَّنْصِيفِ
وَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُهَا عَلَى زَيْدٍ وَعُمَرَ وَالْمَسَاكِينِ. فَهِيَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.
(٤٤٣٢) فَصْلٌ: فَإِنْ أُرِيدَ تَمْيِيزُ الْوَقْفِ عَنْ الطَّلْقِ بِالْقِسْمَةِ، فَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقِسْمَةِ، هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَوْ إفْرَازُ حَقٍّ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ، فَيُنْظَرُ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رَدٌّ جَازَتْ الْقِسْمَةُ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا رَدٌّ مِنْ جَانِبِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ، جَازَتْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ لِشَيْءٍ مِنْ الطَّلْق. وَإِنْ كَانَ مِنْ صَاحِبِ الطَّلْقِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ بَعْضِ الْوَقْفِ، وَبَيْعُهُ غَيْرُ جَائِزٍ. وَإِنْ كَانَ الْمَشَاعُ وَقْفًا عَلَى جِهَتَيْنِ، فَأَرَادَ أَهْلُهُ قِسْمَتَهُ، انْبَنِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَلَمْ يَجُزْ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهَا رَدٌّ بِحَالٍ. وَمَتَى جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الْوَقْفِ، وَطَلَبَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ وَلِيُّ الْوَقْفِ، أُجْبِرَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ قِسْمَةٍ جَازَتْ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ وَلَا ضَرَرٍ، فَهِيَ وَاجِبَةُ.
[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى مَعْرُوفٍ أَوْ بِرٍّ]
(٤٤٣٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى مَعْرُوفٍ أَوْ بِرٍّ فَهُوَ بَاطِلٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى مَنْ يُعْرَفُ، كَوَلَدِهِ، وَأَقَارِبِهِ، وَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ عَلَى بِرٍّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute