وَإِنْ كَانَ أَثْمَانًا، أَوْ شَيْئًا خَفِيفًا يُمْكِنُ قَبْضُهُ بِالْيَدِ، فَقَبْضُهُ تَنَاوُلُهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا، رَهَنَهُ بِالْكَيْلِ، أَوْ مَوْزُونًا، رَهَنَهُ بِالْوَزْنِ، فَقَبْضُهُ اكْتِيَالُهُ أَوْ اتِّزَانُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا سَمَّيْت الْكَيْلَ فَكِلْ» . وَإِنْ ارْتَهَنَ الصُّبْرَةَ جُزَافًا، أَوْ كَانَ ثِيَابًا أَوْ حَيَوَانًا فَقَبْضُهُ نَقْلُهُ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «كُنَّا نَشْتَرِي الطَّعَامَ مِنْ الرُّكْبَانِ جُزَافًا. فَنَهَانَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى نَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِهِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ غَيْرَ مَنْقُولٍ، كَالْعَقَارِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الشَّجَرَةِ، فَقَبْضُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ مُرْتَهِنِهِ وَبَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، بِأَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَ الدَّارِ، أَوْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مِفْتَاحَهَا. وَإِنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَفِيهَا قُمَاشٌ لِلرَّاهِنِ، صَحَّ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهَا بِمِلْكِ الرَّاهِنِ، لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْلِيمِ، كَالثَّمَرَةِ فِي الشَّجَرَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ دَابَّةً عَلَيْهَا حِمْلٌ لِلرَّاهِنِ، فَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، صَحَّ التَّسْلِيمُ. وَلَوْ رَهَنَ الْحِمْلَ وَهُوَ عَلَى الدَّابَّةِ، وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ بِحِمْلِهَا، صَحَّ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَيَكُونُ مَوْجُودًا فِي الرَّهْنِ مِنْهُمَا.
[فَصْلٌ رَهَنَهُ سَهْمًا مُشَاعًا مِمَّا لَا يُنْقَلُ]
(٣٢٨١) فَصْلٌ: وَإِنْ رَهَنَهُ سَهْمًا مُشَاعًا مِمَّا لَا يُنْقَلُ. خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، سَوَاءٌ حَضَرَ الشَّرِيكُ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا كَالْجَوْهَرَةِ يَرْهَنُ نِصْفَهَا، فَقَبْضُهَا تَنَاوُلُهَا، وَلَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكِ، فَإِنْ رَضِيَ الشَّرِيكُ، تَنَاوَلَهَا، وَإِنْ امْتَنَعَ الشَّرِيكُ، فَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ بِكَوْنِهَا فِي يَدِ الشَّرِيكِ، جَازَ، وَنَابَ عَنْهُ فِي الْقَبْضِ، وَإِنْ تَنَازَعَ الشَّرِيكُ وَالْمُرْتَهِنُ، نَصَّبَ الْحَاكِمُ عَدْلًا تَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا وَإِنْ نَاوَلَهَا الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكِ فَتَنَاوَلَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: اسْتِدَامَةُ الْقَبْضِ شَرْطٌ.
لَمْ يَكْفِهِ ذَلِكَ التَّنَاوُلُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ بِشَرْطِ. فَقَدْ حَصَلَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حَصَلَ فِي يَدِهِ مَعَ التَّعَدِّي فِي غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَهَنَهُ ثَوْبًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ مَعَ ثَوْبٍ لِغَيْرِهِ، فَتَنَاوَلَهُمَا مَعًا. وَلَوْ رَهَنَهُ ثَوْبًا، فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ، فَسَلَّمَ إلَيْهِ أَحَدَهُمَا، لَمْ يَثْبُتْ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْبِضهُ الرَّهْنَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الرَّهْنُ، تَبَيَّنَ صِحَّةُ التَّسْلِيمِ. وَإِنْ سَلَّمَ إلَيْهِ الثَّوْبَيْنِ مَعًا، حَصَلَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَسَلَّمَ الرَّهْنَ يَقِينًا.
[فَصْلٌ رَهْنه دَارًا فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهُمَا فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ الرَّاهِن]
(٣٢٨٢) فَصْلٌ: وَلَوْ رَهَنَهُ دَارًا، فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهُمَا فِيهَا، ثُمَّ خَرَجَ الرَّاهِنُ، صَحَّ الْقَبْضُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَعْد خُرُوجِهِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ فِي الدَّارِ فَيَدُهُ عَلَيْهَا، فَمَا حُصِلَتْ التَّخْلِيَةُ. وَلَنَا، أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا وَعَدَمِ الْمَانِعِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَا خَارِجِينَ عَنْهَا، وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ خُرُوجَ الْمُرْتَهِنِ مِنْهَا لَا يُزِيلُ يَدَهُ عَنْهَا، وَدُخُولَهُ إلَى دَارِ غَيْرِهِ لَا يُثْبِتُ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ عَنْهَا مُحَقِّقٌ لِقَوْلِهِ، فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ التَّخْلِيَةِ.
[فَصَلِّ رَهْنه مَالًا لَهُ فِي يَد الْمُرْتَهِن عَارِيَّة أَوْ وَدِيعَة أَوْ غَصْبًا أَوْ نَحْوه]
(٣٢٨٣) فَصْلٌ: وَإِنْ رَهَنَهُ مَالًا لَهُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ؛ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً أَوْ غَصْبًا أَوْ نَحْوَهُ، صَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute