وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ السَّبَبَ الْخَاصَّ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْخُصُوصِ، وَيَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ عِنْدَ عَدَمِهَا؛ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا، فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ اللَّفْظُ الْعَامُّ كَالنِّيَّةِ، وَفَارَقَ لَفْظَ الشَّارِعِ؛ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بَيَانَ الْأَحْكَامِ، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ السَّبَبِ، لِكَوْنِ
الْحَاجَةِ
دَاعِيَةً إلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ السَّبَبِ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَامَتْ امْرَأَتُهُ لِتَخْرُجَ، فَقَالَ: إنْ خَرَجْت فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَرَجَعَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْد ذَلِكَ، أَوْ دَعَاهُ إنْسَانٌ إلَى غَدَائِهِ، فَقَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ تَغَدَّيْت. ثُمَّ رَجَعَ فَتَغَدَّى فِي مَنْزِلِهِ، لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَحْنَثُ عَلَى الثَّانِي.
وَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ حَلَفَ بِذَلِكَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ، فَعَزَلَ الْعَامِلَ، وَطَلَّقَ الْمَرْأَةَ، وَبَاعَ الْمَمْلُوكَ، أَوْ حَلَفَ عَلَى وَكِيلٍ فَعَزَلَهُ، خُرِّجَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَجْهَانِ.
[فَصْلٌ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ]
(٥٩٩١) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. فَدَخَلَهَا هُوَ. أَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ: إنْ دَخَلَ دَارَك أَحَدٌ، فَعَبْدِي حُرٌّ. فَدَخَلَهَا صَاحِبُهَا، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْمُتَكَلِّم تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَمْنَعُ مَنْ سِوَاهُ، فَيَخْرُجُ هُوَ مِنْ الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ، وَيَخْرُجُ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْيَمِينِ بِهَا أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَحْنَثَ أَخْذًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ، وَإِعْرَاضًا عَنْ السَّبَبِ، كَمَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ]
(٥٩٩٢) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ وَطِئْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ. انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى جِمَاعِهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْن الْحَسَنِ يَمِينُهُ عَلَى الْوَطْءِ بِالْقَدَمِ؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ. وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَرَدْت بِهِ الْجِمَاعَ. لَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ. وَلَنَا، أَنَّ الْوَطْءَ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَرْأَةِ، كَانَ فِي الْعُرْفِ عِبَارَةً عَنْ الْجِمَاعِ؛ وَلِهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْجِمَاعُ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ، فِي مِثْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» .
فَيَجِبُ حَمْلُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ، مِنْ الظَّعِينَةِ، وَالرَّاوِيَةِ، وَأَشْبَاهِهِمَا. وَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ. وَإِنْ حَلَفَ لَيُجَامِعَهَا، أَوْ لَا يُجَامِعُهَا، انْصَرَفَ إلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِالْجِمَاعِ دُونَ الْفَرْجِ، وَإِنْ أَنْزَلَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَالْعُرْفُ مَا قُلْنَاهُ. وَإِنْ حَلَفَ لَافْتَضَضْتُك، فَافْتَضَّهَا بِأُصْبُعٍ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ إطْلَاقِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَطْءُ الْبِكْرِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا، أَنْ لَا يَنْكِحَهَا، فَيَمِينُهُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النِّكَاحِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، فَهُوَ عَلَى وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ صَارِفَةٌ عَنْ الْعَقْدِ عَلَيْهَا؛ لِكَوْنِهَا مَعْقُودًا عَلَيْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute