للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَرَجَ تَائِبًا، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِمْ مَلَكًا، فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا كَانَ أَقْرَبَ، فَاجْعَلُوهُ مِنْ أَهْلِهَا. فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ بِشِبْرٍ، فَجَعَلُوهُ مِنْ أَهْلِهَا» . وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصِحُّ مِنْ الْكُفْرِ، فَمِنْ الْقَتْلِ أَوْلَى. وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَتُبْ، أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جَازَاهُ، وَلَهُ الْعَفْوُ إذَا شَاءَ. وَقَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ. قُلْنَا: لَكِنْ يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ وَالتَّأْوِيلُ.

[مَسْأَلَةٌ وَالْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ]

(٦٥٨١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ عَمْدٌ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ، وَخَطَأٌ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْقَتْلَ مُنْقَسِمًا إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادٌ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَأَنْكَرَ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، فَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ، فَلَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَنَا. وَجَعَلَهُ مِنْ قِسْمِ الْعَمْدِ.

وَحُكِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ. وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهَ الْعَمْدِ، مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ: " قَتِيلِ خَطَإِ الْعَمْدِ ". وَهَذَا نَصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ. وَقَسَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، فَزَادَ قِسْمًا رَابِعًا، وَهُوَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ، نَحْوَ أَنْ يَنْقَلِبَ نَائِمٌ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلَهُ، أَوْ يَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ عُلْوٍ، وَالْقَتْلُ بِالسَّبَبِ، كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ، وَقَتْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ، أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا. وَهَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ قِسْمِ الْخَطَإِ، فَإِنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَعْمِدْ الْفِعْلَ، أَوْ عَمَدَهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ، فَسَمَّوْهُ خَطَأً، فَأَعْطَوْهُ حُكْمَهُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْخِرَقِيِّ بِذَلِكَ، فَقَالَ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ: عَمْدُهُمَا خَطَأٌ.

[مَسْأَلَةٌ الْقَتْلُ الْعَمْدُ]

(٦٥٨٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَالْعَمْدُ مَا ضَرَبَهُ بِحَدِيدَةٍ، أَوْ خَشَبَةٍ كَبِيرَةٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ، أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ الْغَالِبُ أَنْ يَقْتُلَ مِثْلُهُ، أَوْ أَعَادَ الضَّرْبَ بِخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ، أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلًا الْغَالِبُ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَنَّهُ يُتْلِفُ)

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَمْدَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُحَدِّدِ، وَهُوَ مَا يَقْطَعُ، وَيَدْخُلُ فِي الْبَدَنِ، كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالسِّنَانِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُحَدِّدُ فَيَجْرَحُ، مِنْ الْحَدِيدِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالزُّجَاجِ، وَالْحَجَرِ، وَالْقَصَبِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>