للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا، وُجُوبُ ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ يَجِبُ رَدُّهَا.

إلَّا أَنْ يَثْبُتَ سُقُوطُ الرَّدِّ بِالتَّلَفِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْجَهْلَ بِعَيْنِهَا كَالْجَهْلِ بِهَا، وَذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الرَّدَّ. وَالثَّانِي، لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ إتْلَافِهَا وَالتَّعَدِّي فِيهَا، فَلَمْ يَجِبْ ضَمَانُهَا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الرَّدِّ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُزِيلُهُ.

[فَصْلٌ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ مَعْلُومَةٌ بِعَيْنِهَا]

(٥٠٥٩) فَصْلٌ: وَإِنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ مَعْلُومَةٌ بِعَيْنِهَا، فَعَلَى وَرَثَتِهِ تَمْكِينُ صَاحِبِهَا مِنْ أَخْذِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِ صَاحِبهَا مَنْ أَخَذَهَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إعْلَامُهُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ إمْسَاكُهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا رَبُّهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حَصَلَ مَالُ غَيْرِهِمْ فِي أَيْدِيهِمْ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا وَعَلِمَ بِهِ، فَعَلَيْهِ إعْلَامُ صَاحِبِهِ بِهِ، فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ الْإِمْكَانِ ضَمِنَ. كَذَا هَا هُنَا. وَلَا تَثْبُتُ الْوَدِيعَةُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ وَرَثَتِهِ، أَوْ بِبَيِّنَةِ تَشْهَدُ بِهَا. وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهَا مَكْتُوبًا وَدِيعَةً، لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ كَانَتْ فِيهِ وَدِيعَةٌ قَبْلَ هَذَا، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لِمَوْرُوثِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِ.

أَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَابْتَاعَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ فِي رزمانج أَبِيهِ، أَنَّ لَفُلَانٍ عِنْدِي وَدِيعَةً. لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَدَّهَا وَنَسِيَ الضَّرْبَ عَلَى مَا كَتَبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ طَالَبَهُ الْوَدِيعَةِ فَقَالَ مَا أَوْدَعْتنِي ثُمَّ قَالَ ضَاعَتْ مِنْ حِرْزٍ]

(٥٠٦٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا طَالَبَهُ الْوَدِيعَةِ، فَقَالَ: مَا أَوْدَعْتنِي. ثُمَّ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ حِرْزٍ، كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَالِ الْأَمَانَةِ. وَلَوْ قَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ. ثُمَّ قَالَ: ضَاعَتْ مِنْ حِرْزٍ. كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ وَدِيعَةً، فَقَالَ: مَا أَوْدَعْتنِي. ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ، فَقَالَ: أَوْدَعْتنِي، وَهَلَكَتْ مِنْ حِرْزِي.

لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِإِنْكَارِهِ الْأَوَّلِ وَمُعْتَرِفٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلْأَمَانَةِ. وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِتَلَفِهَا مِنْ حِرْزِهِ قَبْلَ جَحْدِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهَا تَلِفَتْ بَعْدَ جُحُودِهِ، لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>