لَا يَدْخُلُ فِيهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَإِنَّمَا يَدْخُلُ إذَا كَانَتْ بِمَعْنَى مَعَ وَذَلِكَ خِلَافُ مَوْضُوعِهَا وَقَالَ زَفَرُ: يَقَعُ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ لَيْسَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ: بِعْتُك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ نَطَقَ بِهَا فَلَمْ يَجُزْ إلْغَاؤُهَا
وَلَنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ يَدْخُلُ كَمَا لَوْ قَالَ: خَرَجْت مِنْ الْبَصْرَةِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِيهَا وَأَمَّا انْتِهَاءُ الْغَايَةِ فَلَا يَدْخُلُ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَلَوْ احْتَمَلَ دُخُولَهُ وَعَدَمَ دُخُولِهِ لَمْ نُجِزْ الطَّلَاقَ بِالشَّكِّ وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَثَلَاثٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي بَيْنَهُمَا.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي اثْنَتَيْنِ]
(٦٠٦٤) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ؛ بِفِي عَنْ " مَعَ " كَقَوْلِهِ: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ طَلْقَتَيْنِ فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قُبِلَ مِنْهُ
وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت وَاحِدَةً قُبِلَ أَيْضًا حَاسِبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَاسِبٍ وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا كَانَ عَارِفًا بِالْحِسَابِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَوَقَعَ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ وَلَنَا أَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرِيدَ بِكَلَامِهِ مَا يُرِيدُهُ الْعَامِّيُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَكَانَ عَارِفًا بِالْحِسَابِ وَقَعَ طَلْقَتَانِ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ أَطْلَقَ لَمْ يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِيقَاعِ إنَّمَا هُوَ بِلَفْظِ الْوَاحِدَةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ لَفْظُ الْإِيقَاعِ وَإِنَّمَا يَقَعُ الزَّائِدُ بِالْقَصْدِ فَإِذَا خَلَا عَنْ الْقَصْدِ لَمْ يَقَعْ إلَّا مَا أَوْقَعَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ كَقَوْلِنَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ الْحِسَابَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ وَاحِدَةً مَعَ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا لَهُ مِسَاحَةٌ فَأَمَّا مَا لَا مِسَاحَةَ لَهُ فَلَا حَقِيقَةَ فِيهِ لِلْحِسَابِ وَإِنَّمَا حَصَلَ مِنْهُ الْإِيقَاعُ فِي وَاحِدَةٍ فَوَقَعَتْ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَنَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ فِي اصْطِلَاحِهِمْ لِاثْنَتَيْنِ فَإِذَا لَفَظَ بِهِ وَأَطْلَقَ وَقَعَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى نِيَّةٍ، فَأَمَّا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي وَضْعِ الْحِسَابِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي كُلِّ مَا لَهُ عَدَدٌ فَصَارَ حَقِيقَةً فِيهِ فَأَمَّا الْجَاهِلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فِي الْحِسَابِ إذَا أَطْلَقَ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِيقَاعِ إنَّمَا هُوَ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا صَارَ مَصْرُوفًا إلَى الِاثْنَتَيْنِ بِوَضْعِ أَهْلِ الْحِسَابِ وَاصْطِلَاحِهِمْ فَمَنْ لَا يَعْرِفُ اصْطِلَاحَهُمْ لَا يَلْزَمُهُ مُقْتَضَاهُ كَالْعَرَبِيِّ يَنْطِقُ بِالطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا.
وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute