وَقَالَ عَلِيٌّ لِرَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ: إنَّكَ لَخَرُوطٌ. قَالَ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَرِهَهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَلَا بَأْسَ، حَتَّى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ، وَإِنْ كَانَ ذَا دِينٍ وَسُنَّةٍ فَكَرِهَهُ الْقَوْمُ لِذَلِكَ، لَمْ تُكْرَهْ إمَامَتُهُ. قَالَ مَنْصُورٌ: أَمَا إنَّا سَأَلْنَا أَمْرَ الْإِمَامَةِ، فَقِيلَ لَنَا: إنَّمَا عَنَى بِهَذَا الظَّلَمَةَ فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ السُّنَّةَ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ.
[فَصْلٌ إمَامَةُ الْأَعْرَابِيِّ]
(١١٩٥) فَصْلٌ: وَلَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَعْرَابِيِّ إذَا كَانَ يَصْلُحُ لَهَا. نَصَّ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكَرِهَ أَبُو مِجْلَزٍ إمَامَتَهُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَهُمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [التوبة: ٩٧] . وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» .
وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ، أَشْبَهَ الْمُهَاجِرَ، وَالْمُهَاجِرُ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِالْهِجْرَةِ، فَمَنْ لَا هِجْرَةَ لَهُ أَوْلَى. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَالْحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنْ الْبَدَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي إمَامَتِهِ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ جَفَاؤُهُمْ، وَقِلَّةُ مَعْرِفَتِهِمْ بِحُدُودِ اللَّهِ.
[فَصْلٌ إمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا]
فَصْلٌ: وَلَا تُكْرَهُ إمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا إذَا سَلِمَ دِينُهُ. قَالَ عَطَاءٌ: لَهُ أَنْ يَؤُمَّ إذَا كَانَ مَرْضِيًّا، وَبِهِ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ. وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُتَّخَذَ إمَامًا رَاتِبًا. وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ إمَامَتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَوْضِعُ فَضِيلَةٍ، فَكُرِهَ تَقْدِيمُهُ فِيهَا كَالْعَبْدِ. وَلَنَا، قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ» .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَقَالَ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] وَالْعَبْدُ لَا تُكْرَهُ إمَامَتُهُ، وَإِنَّمَا الْحُرُّ أَوْلَى مِنْهُ، ثُمَّ إنَّ الْعَبْدَ نَاقِصٌ فِي أَحْكَامِهِ، لَا يَلِي النِّكَاحَ وَلَا الْمَالَ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، بِخِلَافِ هَذَا. (١١٩٧) فَصْلٌ: وَلَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْجُنْدِيِّ وَالْخَصِيِّ إذَا سَلِمَ دِينُهُمَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ، وَلِأَنَّهُ عَدْلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِمَامَةِ، أَشْبَهَ غَيْرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute