فَسَادِ نِكَاحِهِ
وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] ، وَإِطْلَاقُ النِّكَاحِ يَقْتَضِي الصَّحِيحَ وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَتَزَوَّجَ تَزْوِيجًا فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ لَمْ يَبَرَّ بِالتَّزَوُّجِ الْفَاسِدِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَحْكَامِ الزَّوْجِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيهِ مِنْ الْإِحْصَانِ وَاللِّعَانِ، وَالظِّهَارِ، وَالْإِيلَاءِ وَالنَّفَقَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا فَلِقَصْدِهِ التَّحْلِيلَ فِيمَا لَا يَحِلُّ وَلَوْ أَحَلَّ حَقِيقَةً لَمَا لُعِنَ وَلَا لُعِنَ الْمُحَلَّلُ لَهُ وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة: ٣٧] وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي غَيْرِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ أَشْبَهَ وَطْءَ الشُّبْهَةِ الشَّرْطُ الثَّالِثُ؛ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْفَرْجِ فَلَوْ وَطِئَهَا دُونَهُ أَوْ فِي الدُّبُرِ لَمْ يُحِلّهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ مِنْهُمَا وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَأَدْنَاهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَوْ أَوْلَجَ الْحَشَفَةَ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوَّاقِ الْعُسَيْلَةِ وَلَا تَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ
وَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ مَقْطُوعًا، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فَأَوْلَجَهُ أَحَلَّهَا وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ مَسْلُولًا أَوْ مَوْجُوءًا حَلَّتْ بِوَطْئِهِ؛ لِأَنَّهُ يَطَأُ كَالْفَحْلِ وَلَمْ يَفْقِدْ إلَّا الْإِنْزَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْإِحْلَالِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْخَصِيِّ أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا؛ فَإِنَّ أَبَا طَالِبٍ سَأَلَهُ فِي الْمَرْأَةِ تَتَزَوَّجُ الْخَصِيَّ تُسْتَحَلُّ بِهِ؟ قَالَ: لَا خَصِيَّ يَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْعَمَلُ عَلَى مَا رَوَاهُ مُهَنَّا أَنَّهَا تَحِلُّ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْخَصِيَّ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْإِنْزَالُ فَلَا يَنَالُ لَذَّةَ الْوَطْءِ فَلَا يَذُوقُ الْعُسَيْلَةَ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَصِيَّ فِي الْغَالِبِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْوَطْءُ أَوْ لَيْسَ بِمَظِنَّةِ الْإِنْزَالِ فَلَا يَحْصُلُ الْإِحْلَالُ بِوَطْئِهِ كَالْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ.
[فَصْلٌ حَلَالُ نِكَاحِ وَوَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ]
(٦٠٧٢) فَصْلٌ: وَاشْتَرَطَ أَصْحَابُنَا أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَلَالًا، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إحْرَامٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ مِنْهُمَا، أَوْ وَأَحَدُهُمَا صَائِمٌ فَرْضًا، لَمْ تَحِلَّ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِحْلَالُ، كَوَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ. وَظَاهِرُ النَّصِّ حِلُّهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] . وَهَذِهِ قَدْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» . وَهَذَا قَدْ وُجِدَ، وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فِي مَحَلِّ الْوَطْءِ عَلَى سَبِيلِ التَّمَامِ، فَأَحَلَّهَا، كَالْوَطْءِ الْحَلَالِ، وَكَمَا لَوْ وَطِئَهَا وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، أَوْ وَطِئَهَا مَرِيضَةً يَضُرُّهَا الْوَطْءُ. وَهَذَا أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute